غياب الثقة بين المجلس الانتقالي السوداني وقادة الاحتجاج يرفع مستوى التصعيد

فشل المجلس العسكري الانتقالي وقوى التغيير في تجنّب الصدام بعد أن طالت مدة التفاوض بشأن تسليم السلطة وجنوح كل طرف للّعب على الوقت وانتظار تنازل من الطرف الآخر، ما أفقد قوات الأمن والمتظاهرين في نفس الوقت أعصابهم وأدى إلى مواجهة خلفت قتلى وجرحى بين المعتصمين.
 
وفيما أعلن المجلس الانتقالي أن العملية لم تستهدف الاعتصام بشكل مباشر وأنها تأتي ضمن مطاردة لعناصر إجرامية، أعلنت “قوى إعلان الحرية والتغيير” رسميا وقف التفاوض مع المجلس ودعت إلى عصيان مدني.
 
واقتحمت قوات الأمن السودانية موقع اعتصام في وسط الخرطوم، الاثنين، وترددت أنباء عن مقتل 13 شخصا على الأقل في أسوأ أعمال عنف منذ الإطاحة بحكم الرئيس عمر حسن البشير في أبريل.
 
وأظهرت لقطات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد فوضوية لأشخاص يركضون في الشوارع بينما تدوي أصوات إطلاق النار، وآخرين يهرعون لنقل الجرحى.
 
وقال شهود إن الاعتصام قرب وزارة الدفاع، مركز الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي بدأت في ديسمبر، تم فضّه لكن المحتجين تدفقوا على الشوارع في مناطق أخرى في الخرطوم وخارجها ردّا على الهجوم.
 
واتهمت الجماعة الرئيسية المنظمة للاحتجاج المجلس العسكري الحاكم بفضّ الاعتصام ووصفت الهجوم بأنه “مجزرة”. لكن المجلس قال إن قوات الأمن استهدفت “منفلتين” قرب منطقة الاعتصام.
 
وقال الفريق شمس الدين كباشي المتحدث باسم المجلس العسكري إن قوات الأمن استهدفت عناصر إجرامية وإن المحتجين بأمان.
 
وأضاف كباشي “لم يتم فضّ الاعتصام ولكن كانت القوات بصورة قانونية تحاول فض المنفلتين في منطقة كولومبيا المجاورة للاعتصام وفرّ بعض المنفلتين إلى منطقة الاعتصام وأحدث هذا حالة من الارتباك”.
 
وأضاف “المجلس العسكري ملتزم بما تمّ الاتفاق عليه سابقا مع قوى الحرية والتغيير ومستعدون لاستمرار التفاوض وللمسار السياسي”.
 
وأعلن، إعلان قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف لجماعات المعارضة والاحتجاج في السودان، وقف كافة الاتصالات والمفاوضات مع المجلس العسكري.
 
ووصلت المحادثات بين الطرفين بشأن الحكم خلال الفترة الانتقالية إلى طريق مسدود.
 
وعرض المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى السلطة في أبريل بعد أن عزل البشير، السماح للمحتجين بتشكيل حكومة لإدارة البلاد لكنه يصر على الاحتفاظ بالسلطة خلال فترة انتقالية.
 
ويريد المتظاهرون أن يدير المدنيون الفترة الانتقالية وقيادة البلاد التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة إلى الديمقراطية.
 
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية المعارضة إن 13 شخصا قتلوا في أعمال العنف وإن 116 على الأقل أصيبوا بجروح. وقالت إن قوات الأمن طوقت مستشفى في الخرطوم وفتحت النار على مستشفى آخر أثناء ملاحقتها للمحتجين.
 
وقال تجمّع المهنيين السودانيين، وهو الجماعة الرئيسية المنظمة للاحتجاج، في بيان “يقوم المجلس العسكري الانقلابي الآن بإبراز وجهه القميء من خلال إحضاره قوات نظامية بعدد ضخم جدا لميدان الاعتصام للقيام بعملية فضّ ممنهج لاعتصامنا الباسل أمام القيادة العامة”.
 
وحثّ الشعب السوداني على التوجه إلى مقر الاعتصام لمساعدة المحتجين هناك.
 
وقال السفير البريطاني في الخرطوم عرفان صديق إنه سمع إطلاق نار كثيف لأكثر من ساعة من مقر إقامته وإنه يشعر بقلق بالغ.
 
وكتب صديق على حسابه على تويتر “لا مبرر لمثل هذا الهجوم. يجب أن يتوقف ذلك الآن”.
 
ووصفت السفارة الأميركية في الخرطوم الهجوم على الاعتصام بأنه “خطأ” وقالت إنه يجب أن يتوقف.
 
ودعا الاتحاد الأوروبي قيادات الجيش السوداني للسماح بالاحتجاج السلمي وحثّ على انتقال السلطة سريعا لقوى مدنية.
 
وقالت متحدثة باسم الاتحاد في إفادة دورية للصحافيين “نتابع تطورات الوضع عن كثب بما في ذلك الهجمات على المحتجين المدنيين وندعو المجلس العسكري الانتقالي إلى العمل بشكل مسؤول واحترام حق الناس في التعبير عن قلقهم”.
 
وأدان الاتحاد الأفريقي العنف ضد المعتصمين، داعيا إلى إجراء وتحقيق “فوري” و”شفاف” من أجل مساءلة المسؤولين عن ذلك.
 
جاء ذلك في بيان صادر عن المفوضية الأفريقية التي تعتبر الأمانة العامة للاتحاد وجهازه التنفيذي، نشر عبر الموقع الرسمي للتكتّل القاري.
 
ونقل البيان عن رئيس المفوضية، التشادي موسى فكي، قوله “ندين بشدة أعمال العنف التي اندلعت بالخرطوم وأدت إلى سقوط عدة قتلى وجرح مدنيين”.
 
ودعا فكي إلى “إجراء تحقيق فوري وشفاف من أجل مساءلة جميع المسؤولين”، داعيا في الوقت نفسه “المجلس العسكري الانتقالي في السودان إلى حماية المدنيين من المزيد من الأذى”.
 
وفي القاهرة قالت مصر إنها تتابع تطورات السودان “ببالغ الاهتمام”.
 
وأضاف بيان أصدرته وزارة الخارجية “تؤكد مصر على أهمية التزام كافة الأطراف السودانية بالهدوء وضبط النفس والعودة إلى مائدة المفاوضات والحوار بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوداني”.
 
وأظهرت لقطات تلفزيونية دخانا يتصاعد من خيام أحرقت في ما يبدو أثناء مداهمة قوات الأمن.
 
وقال شهود إن المحتجين تدفقوا على شوارع الخرطوم ومدينة أم درمان على الضفة الأخرى لنهر النيل وأغلقوا طرقا بالحجارة والإطارات المشتعلة.
 
وقال أحد المحتجين في مدينة عطبرة إن المتظاهرين أغلقوا طرقا هناك كذلك. ووردت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي عن مواجهات أعقبتها احتجاجات جديدة في مدن وبلدات أخرى وعلى الطرق الواصلة بينها. ولم يتسن لوكالة رويترز التأكد من ذلك.
 
وقال مستخدمو الإنترنت إن الخدمة قطعت. وفي الخرطوم، رشق محتجون قوات الأمن بالحجارة وسط دوي إطلاق مكثف للنيران. وتم إغلاق الجسور على النيل التي تربط عدة مناطق بالعاصمة السودانية.