جيشٌ لا يهدأ.. ماذا تعرف عن الحروب الدموية التي خاضتها أمريكا في تاريخها؟

رغم تاريخها القصير نسبيًا الذي لم يتخطّ القرنين ونصف القرن من الزمن – منذ إعلان استقلالها عن ممالك أوروبا عام 1776 – إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الدول التي خاضت حروبًا في العالم في التاريخ المعاصر، وتحديدًا تلك التي تتطلب خوض المعارك والحروب الكبرى واسعة النطاق خارج أراضيها، بخلاف التدخلات العسكرية المحدودة والغارات الاستثنائية مثل القصف الأمريكي لليمن وسوريا والصومال وليبيا وعدّة بلدان أخرى، فمنذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا لم تَخُض أمريكا معركة واحدة بمعناها الحقيقي على تُربة أمريكية، وإنما كانت الأراضي الأجنبية دائمًا مسرحًا للمعارك والحروب الكبرى.

1- الحرب الأمريكية الإسبانية 1898

الخسائر البشرية: 379 جنديًّا أمريكيًّا – 4234 جنديًّا إسبانيًّا

خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا ضد إسبانيا استمرت لمدّة ثمانية أشهر تقريبًا، قامت إثر خلاف نشب بين حكومة البلدين في فترة كانت إسبانيا تُحكم قبضة حديدية على مستعمراتها في أمريكا الجنوبية وغرب المحيط الهادي وخاصة كوبا التي كانت وقتها تخوض كفاحًا عسيرًا للتحرّر من الاستعمار الإسباني، وفي وسط الصراع الكوبي للتحرّر شعرت حكومة الولايات المتحدة بتهديد لاستثماراتها في كوبا التي كانت وقتها تتراوح ما بين 50 إلى 100 مليون دولار.

بجوار الأصوات التي تعالت داخل الولايات المتحدة، وخاصة داخل الكونجرس الأمريكي مطالبة بالتدخل العسكري الأمريكي لمساعدة كوبا على إعلان استقلالها، ولإنقاذ الكوبيين الذين يعانون من ويلات القمع الإسباني بقيادة الجنرال الإسباني «فاليريانو ويلر نيكولو» والذي كان ملقبًا بـ«الجزار».

وفي تاريخ التاسع من أبريل (نيسان) 1898 أعدّت إسبانيا برنامجًا عسكريًّا لسحق التمرّد الكوبي وإفشال محاولاتها للاستقلال بحكومة محلية، ولما هدّدت الولايات المتحدة بالتدخل عقب موافقة بالإجماع من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي؛ لم تستطع إسبانيا سوى إعلان الحرب على الولايات المتحدة في 24 من أبريل.

وفي الأول من مايو (أيّار) 1898 خاض أسطول الولايات المتحدة الأمريكية أوّل معاركه البحرية في خليج «مانيلا» قرب جزر الفلبين، وقام بإلحاق هزيمة نكراء بالأسطول الإسباني، ثم سيطرت القوات الأمريكية على مانيلا نفسها، وبذلك كان جيش الولايات المتحدة يحارب الإسبان في كُلّ من كوبا والفلبين.

بعد أن تكبدت إسبانيا خسائر كبيرة، وبدت الكفة أرجح نحو الولايات المتحدة، وافق الطرفان على إنهاء الحرب في ديسمبر(كانون أول) 1898 بتوقيع اتفاقية باريس، والتي انسحبت إسبانيا على إثرها من مستعمراتها في كُل من كوبا وبورتوريكو وجزيرة «جوام».

2- الحرب الأمريكية الفلبينية 1899 – 1902 الاكثر بشاعة

الخسائر البشرية: 4390 جنديًّا أمريكيًّا – 20 ألف جندي فلبيني و200 ألف مدني فلبيني

ترتبط هذه الحرب برابط وثيق يمتد من بقايا الحرب السابقة بين أمريكا وإسبانيا، فبعدما احتلت القوات الأمريكية الفلبين -التي كانت خاضعة للحكم الإسباني وقتها- وقامت بين الولايات المتحدة الأمريكية والثوار الفلبينيين الذين كانوا قد بدؤوا الصراع بالفعل ضد الحكومة الإسبانيّة لتحرير الفلبين، ولكن الأقدار لم تمهل الأمة الآسيوية أي فرصة؛ لأنه بمجرد انتهاء الحرب بين إسبانيا وأمريكا؛ خرجت الأولى وبقيت الثانية وكأن ما تبدل فقط هو علم الدولة المُحتلة.

نصت اتفاقية باريس التي أنهت الحرب الأمريكية الإسبانية على تسليم السيادة على الفلبين من إسبانيا إلى أمريكا عام 1898، ولكن الثوار والقادة الفلبينيين لم يعترفوا بتلك الاتفاقية، وظلوا على منهجهم في المقاومة ضد أي محتل، واستطاعوا السيطرة على أغلب أجزاء الأرخبيل الفلبيني فيما عدا مدينة «مانيلا» التي هي بمثابة مركز الدولة وعاصمتها والتي ظلت تحت السيطرة الأمريكية، بعد ثلاثة أشهر من احتلال مانيلا وصلت القوات الأرضية الأمريكية، واستطاعت أن تبدأ في الزحف للسيطرة على باقي أجزاء الفلبين حتى بدأت الحرب رسميًّا بين أمريكا وقوات الفلبين الوطنية في فبراير 1899 واستمرت الحرب الدامية التى تُعد واحدة من أكثر الحروب بشاعة وخسارة في أرواح المدنيين.

بعد صراعات ومعارك دموية ما بين قوات الولايات المتحدة وما يزيد عن ألف مليشيا فلبينية مسلحة بقيادة الزعيم الفلبيني «سيمون أولا أربوليدا»، في العام 1902 تم إنهاء العصيان المسلح، ولكن المقاومة الفلبينية استمرت بشكل متقطع وسري لعدة سنوات بعد انسحاب النسبة الأكبر من الجيش الأمريكي بقيت خلالها بعض القوات الأمريكية في الفلبين لردع أية محاولات للتمرد أو المقاومة، الجدير بالذكر أنه حتى وبعد انتهاء الحرب التي استمرت بشكل ضارٍ لمدة ثلاث سنوات رسميًا، بقيت الفلبين خاضعة للسيطرة الأمريكية حتى عام 1946.

3- الحرب العالمية الأولى 1917 – 1918

الخسائر البشرية: 116.500 ألف جندي من إجمالي 4 ملايين جندي تم تحريكها خارج الأراضي

أولى أكبر الحروب المدمرة في التاريخ الحديث، تلك التي بدأت بعملية اغتيال «فرانز فرديناند» أرشيدوق النمسا والمجر وزوجته على يد أحد المواطنين البوسنيين – وكانت وقتها البوسنة والهرسك مقاطعات تابعة للعرش النمساوي – في العاصمة «سراييفو» عام 1914، والذي كان بمثابة حجر الدومينو الذي أسقط سلسلة من الأحجار كان آخرها اشتعال ساحة الحرب في كوكب الأرض، بين أكثر من 13 دولة ومستعمراتها في كل قارات الكوكب تقريبًا، وفي خلال أقل من شهر على تلك الحادثة المشؤومة كانت كُل من النمسا والمجر وألمانيا والإمبراطورية العثمانية (تركيا) وبلجيكا يحاربون على الجانب الآخر فرنسا وروسيا وبريطانيا وصربيا واليابان وإيطاليا والبرتغال ورومانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

لم تنضمّ الولايات المتحدة إلى الجانب البريطاني الفرنسي وحلفائهما منذ بداية الحرب، بل كانت أمريكا ضد التدخل الأمريكي في الحرب ومع البقاء على الحياد، ولكن في عام 1915 اشتعلت أزمة حادة بين الولايات المتحدة وألمانيا عقب إغراق أسطول الغواصات الألماني للسفينة البريطانية «لوسيتانيا» التي كانت تُقلّ 1200 مدني، من بينهم 128 مواطنًا أمريكيًّا أثناء رحلتها من ميناء ليفربول الإنجليزي إلى ميناء نيويورك الأمريكي، فاشتعل الرأي العام الأمريكي وخاطبت أمريكا الحكومة الألمانية بلهجة شديدة وطالبت بوقف كل عمليات الغواصات الألمانية غير المُعلن عنها، ولكن الجانب الألماني أصرّ على الرفض فيما يبدو بأنه استهانة بالمطلب الأمريكي واستغلال لموقفهم بعدم الانحياز.

شهدت أمريكا في ذلك الوقت الكثير من الاضطرابات الداخلية والخارجية ما بين محاولات الرئيس الأمريكي وقتها «وودرو ويلسون» لرفع ميزانية الجيش وتوسيع قواته، وبين تواجد بعض القوات الأمريكية في خليج المكسيك لردع الثائر المكسيكي «بانشو فيا» عقب حملة عسكرية شنها على ولاية نيو ميكسيكو الأمريكية.

ومع احتقان الأوضاع داخل الولايات المتحدة جاء ما زاد الطين بلّة؛ عندما استطاع البريطانيون عام 1916 فكّ شفرة أحد رسائل التلغراف السريّة بين وزير الخارجية الألماني آرثر زيمرمان وهنريك فون إيكهارت؛ أحد الدبلوماسيين الألمان في المكسيك والذي يحوي خُطة لانضمام المكسيك إلى الجانب الألماني في حال دخول أمريكا الحرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا.

هذا بخلاف بعض المواطنين الأمريكيين الذين سافروا إلى فرنسا و تطوعوا في الجيش الفرنسي دون أن يكون هناك أي توجه رسمي للحرب، ولم تلبث الأوضاع كذلك لأكثر من أشهر قليلة أعلنت بعدها أمريكا الحرب رسميًا على دول الجانب الألماني النمساوي التي أطلقت على نفسها اسم دول «القوى المركزية» في أبريل «نيسان» 1917، واستمرت في الحرب لمدة عام حرّكت خلالها أمريكا ما يزيد على 4 ملايين جندي إلى أوروبا حيث ساحة الحرب التي انتهت رسميًا بانتصار قوات الحلفاء «الجانب البريطاني الأمريكي» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1918.

4- الحرب العالمية الثانية 1942 – 1945

الخسائر البشرية: خَسر العالم ما يتراوح بين 45 و55 مليون إنسان – منهم 416 ألف جندي أمريكي

بإجمالي الخسائر البشرية والمادية في تلك الحرب؛ اعتبرها العالم أكثر الحروب ضراوة ودموية وتخليفًا للدمار في التاريخ الإنسانيّ المدوّن، الحرب التي بدأت عام 1939 بين دول المحور متمثلة في ألمانيا بقيادة «أدولف هتلر» على رأس الحزب النازي وإيطاليا واليابان في مواجهة دول الحلفاء متمثلة في فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي، والتي بدأت بخطة احتلال بولندا من قبل النازي الألماني عام 1939 بعد خلاف سوفييتي ألماني، اجتاحت بعدها ألمانيا دولة تلو الأخرى حتى وصلت إلى فرنسا، واحتلتها عام 1940 وانضم إليها الجانب الإيطالي بقيادة «بينيتو موسوليني»، وأكملت قوات الحلفاء الزحف على الأراضي السوفييتية.

على الجانب الآخر كانت الولايات المتحدة تتمسّك بالموقف ذاته بعدم التدخل في الحرب، ولكن العديد من الظروف السياسية والتجارية السيئة بين أمريكا، واليابان التي كانت قد بدأت في بناء إمبراطورية قوية صناعيًا وعسكريًا، وتخصّصت في بناء المعدات الثقيلة، والأسلحة والطائرات، والتي اعتمدت في بنائها على الحديد الصلب و البترول المستورد من أمريكا وعدة دول.

ولكن الحكومة الأمريكية، ردًا على سياسات اليابان الاستعمارية في المحيط الهادي؛ قامت بحظر تصدير واستيراد تلك السلع الاستراتيجية بينها وبين اليابان، والذي كان سببًا رئيسيًا في قصف اليابان لميناء بيرل هاربر الأمريكي في ديسمبر (كانون الأول) عام 1941، فاعتُبر بمثابة صدمة للولايات المتحدة، فأعلن بعدها مباشرة الرئيس الأمريكي «فرانكلين دي روزفلت» الحرب على دول المحور.

وقامت أمريكا بشن حملة اعتقالات وترحيل لكل اليابانيين أو الأمريكيين من أصول يابانية على أراضيها، وتدخلت القوات الأمريكية بكل ما تمتلك من عتاد وجنود في أوروبا وشمال أفريقيا وانتهت بـالقصف النووي المريع لمدينتي «هيروشيما» و«ناجازاكي» اليابانيتين، وخاضت الكثير من المعارك الدموية حتى انتهاء الحرب رسميًا وانتصار دول الحلفاء عام 1945.

5- الحرب الكورية 1950 – 1953

الخسائر البشرية: 2.5 مليون مدني وعسكري كوري – 33 إلى 36 ألف جندي أمريكي

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي انتهت بانتصار قوات الحلفاء؛ تصدّرت كُلّ من أمريكا والاتحاد السوفيتي مشهد القوى العظمى في العالم، وتحديدًا بعد استسلام اليابان قامت الولايات المتحدة بالسيطرة على الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية – التي كانت تخضع لليابان أثناء الحرب العالمية الثانية – بينما قام الاتحاد السوفيتي بفرض سيطرته على الجزء الشمالي؛ وتم الفصل بينهما من قبل الأمم المتحدة بسياج حدودي.

كوريا التي كانت تعاني حتى من قبل الحرب العالمية الثانية من بعض الانقسامات بين جزئيها الجمهوري متمثلًا في الشمال والديمقراطي في الجنوب، وشهدت كوريا بشقيها بعض المناوشات والصراعات حتى جاء زحف الجانب الكوري الشمالي، في الوقت نفسه كانت قد ارتفعت نسبة الاحتقان بين قطبي الأيديولوجيات السياسية في العالم؛ الرأسمالية التي تنتهجها أمريكا، والشيوعية متمثلة في الاتحاد السوفيتي.

في يونيو (حزيران) 1950، قام الجيش الكوري الشمالي باحتلال كوريا الجنوبية وألحق هزيمة كبيرة بالقوات الجنوبية والأمريكية المتمركزة في الجزء الجنوبي، وكادت تُنهي التواجد الأمريكي خلال أربع أشهر من المعارك الضارية، لولا الموقف العنيد للرئيس الأمريكي وقتها (هاري ترومان) الذي حشد الرأي الشعبي الأمريكي ضد ما أسماه «الخطر الشيوعي» الذي يهدد الوجود الرأسمالي الديموقراطي، ومن ثم استعانت الولايات المتحدة بتفويض دولي من الأمم المتحدة بمعاونة القوات الدولية التابعة لها بتمديد الوجود العسكري؛ ونجحت بحلول سبتمبر أيلول 1951 من استعادة الجزء الجنوبي بالكامل من السيطرة الكورية الشمالية المدعومة من قبل «جوزيف ستالين» زعيم الاتحاد السوفييتي.

وعلى مدار أكثر من عامين؛ خاضت خلالها القوات الأمريكية معارك ضارية وعانت من الطقس الجويّ السيئ في شبه الجزيرة الكورية؛ جاء الخلاف بين الرئيس هاري ترومان الذي بدأ في إدراك مدى تفاقم وضع قواته وبين الجنرال الأمريكي المسئول عن العمليات العسكرية في كوريا دوجلاس مكارثر الذي كان عازمًا على الانتصار دون خيارات أخرى، وقام بحشد تأييدات داخل الكونجرس الأمريكي لاستمرار تدفق القوات الأمريكية إلى أتون الحرب، ولكن هذا الخلاف انتهى بعزل الرئيس ترومان له، وإبقاء حالة الجيش على ما هي عليه دون تغيير لمدة عامين بقيت فيه المعارك بين الطرفين.

بعد جولات من الحرب والمفاوضات؛ استلم الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور فترته الرئاسية في عام 1953، وبدا وقتها أنّه عازم على أنها الحرب وسحب القوات الأمريكية من المعترك الكوري، وتزامن هذا مع رحيل الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين الذي كان مؤيدًا لاستمرار الحرب، وبالفعل تم إنهاء الحرب في يوليو (تموز) من عام 1953 وإبقاء كُل من الجانبين دولةً ذات سيادة مُستقلة.

6- حرب فيتنام 1965 – 1975

الخسائر البشرية: 1.5 إلى 2 مليون مدني وعسكري فيتنامي – ما يقرب من 58 ألف جندي أمريكي.

إنها واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا في تاريخها والأطراف المتشابكة حولها، بدأت بانتهاء السيطرة اليابانية وانسحاب قواتها من فيتنام – التي كانت لعقود طويلة مستعمرة فرنسية – بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية تاركة الإمبراطور «باو داي» ذا التعليم الغربي والميّال إلى سياسات الغرب، ولكن الزعيم الشيوعي الفيتنامي «هوشي منه» استغل حالة الارتباك عقب رحيل اليابانيين وقام بالسيطرة على شمال فيتنام؛ وإعلان جمهورية فيتنام الديموقراطية ذات التوجه الشيوعي، بعدها عادت فرنسا عام 1949 لدعم الإمبراطور المخلوع «باو» في السيطرة على الجزء الجنوبي، مما أسفر عن صراع شبيه بالصراع الكوري إلى حد كبير.

استمر الوضع المنقسم حتى عام 1954 بدولة شيوعية في شمال فيتنام ودولة رأسمالية في الجنوب، واحتدم بينهما صراعات ومناوشات ممتدة، حتى تدخلت الاستخبارات الأمريكية لصالح «باو» في الجنوب الفيتنامي حتى يستمر الدعم الرأسمالي لطرف المعركة التي بدا جليًا أنها صارت جزءًا من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وبعد الكثير من الاضطرابات العسكرية والسياسية في فيتنام؛ أرسل الرئيس الأمريكي جون كينيدي فريق الاستطلاع وتقييم الأوضاع في فيتنام، والذي نصح بالتدخل الأمريكي لفض النزاعات بين الشقين الجنوبي والشمالي، ومن ثم بدأت القوات الأمريكية تغوص تدريجيًا في مستنقع فيتنام.

في العام 1964، بعد عام من اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي وتولي نائبه ليندون جونسون، الرئاسة جاء قصف خليج تونكين لمدمرتين أمريكيتين بواسطة الغواصات التابعة للجمهورية الديمقراطية الفيتنامية – الجانب الشيوعي -، ومن ثم جاء قرار أمريكا الرسمي بعد موافقة الكونجرس الأمريكي على التدخل بكامل العتاد العسكري للتخلص من فيتنام الشمالية عام 1965، الأمر الذي استمر لمدة 10 سنوات ارتفعت خلالهم وتيرة الاضطرابات الداخلية بين شقي فيتنام، وتزامنت مع احتجاجات شعبية أمريكية عاتية لمناهضة تلك الحرب التي تصدّرت مشاهدها المفزعة عناوين النشرات والجرائد لعقد كامل، وبدا الأمر للأمريكيين العاديين بمثابة كابوس عسكري لا تستطيع أمريكا الخلاص منه.

في العام 1973 وافقت أمريكا على توقيع اتفاقية سلام بينها وبين فيتنام الشمالية، وبدأت في اتخاذ قرار التراجع عن الحرب في فيتنام، وفي عام 1975 سقط الجانب الجنوبي من فيتنام بعد صراعات دامية بينه وبين فيتنام الشمالية، ثم بعدها بعام توافق الجانبان الشمالي والجنوبي على قيام دولة موحدة جمعت الطيفين بعد عقود طويلة من الصراع المسلح.

7- حرب الخليج 1990 – 1991

الخسائر البشرية: 8 إلى 10 آلاف عراقي مدني وعسكري – 219 جنديًّا أمريكيًّا.

عقب هدوء الحرب بين إيران والعراق التي قامت في 1988، وتحديدًا عام 1990؛ قام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين باتهام الكويت بالتنقيب عن البترول في حقول تابعة للحدود العراقية، وطالب كُلا من السعودية والكويت بإسقاط ديون العراق الخارجية بقيمة 30 مليار دولار، واتهمهم بالتآمر لخفض أسعار البترول لصالح الدول الغربية. بعدها حاول الرئيس المصري السابق حسني مبارك التوسط لتهدئة الأزمة، ولكن صدام حسين قطع المباحثات مع نظيره المصري. وفي أغسطس (آب) 1990 أمر صدام حسين جيشه بالتحرك لغزو دولة الكويت.

كانت ردود الفعل العربية في هذا الشأن سريعة، حيث اجتمعت أكثر من 20 دولة عربية لاتخاذ موقف ضد الغزو العراقي، ومن ناحية أخرى طلب الملك السعودي فهد بن عبدالعزيز العون الرسمي من الولايات المتحدة وقوات حلف «الناتو» للتدخل لإنهاء الغزو، فاستقبله الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بالإيجاب، وعقد مجلس الأمن جلسة لإنهاء التدخل العراقي؛ الأمر الذي لم يذعن له الرئيس العراقي الراحل حتى تم التدخل العسكري الأمريكي بقوة عددها 450 ألف جندي أمريكي؛ وتدخلت فيه قوات مصرية وسعودية إلى جانب قوات متعددة الجنسيات بعد تفويض الأمم المتحدة لإنهاء الأمر «بكل السُبل الممكنة» في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1990.

في مطلع العام 1991 كانت القوات الجوية الأمريكية تقصف دفاعات العراق بشراسة، ودفعت بالقوات الأرضية في عملية عسكرية شهيرة سميت «عاصفة الصحراء» والتي قامت فيها بدحر كل القوات العراقية، ودمرت العتاد الاستراتيجي وبعض مواقع التنقيب عن البترول، وبعد أن هُزمت أغلب القوات العراقية تم إعلان وقف إطلاق النار في فبراير «شباط» من العام نفسه، أي بعد شهر من الهجوم، انسحبت بعدها أغلبية القوات الأمريكية من المنطقة مع إبقاء قوات احتياطية بعد اتفاقية أمريكية كويتية لإبقاء التواجد الأمريكي على أراضيها.

8- حرب أفغانستان 2001 – 2014

الخسائر البشرية: 42 ألف مدني وعسكري أفغاني – 2371 جنديًّا أمريكيًّا.

جاء القرار بعد أسابيع من أكبر ضربة تلقتها أمريكا على أراضيها منذ قصف «بيرل هاربر» بالهجوم على برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، والذي اتهمت السلطات الأمريكية تنظيم القاعدة في التخطيط له وتنفيذه، وخرجت التقارير الاستخباراتية الأمريكية تؤكد تلقي مرتكبي الهجوم لتدريب عسكري في أفغانستان، واتهمت حركة طالبان بدعم الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، تحرّكت القوات الجوية الأمريكية لقصف مواقع تابعة لحركة طالبان؛ بينما تحرّكت قوات أرضية بمشاركة بريطانية إلى أفغانستان، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 زحفت قوات التحالف الأمريكي البريطاني نحو مدينة كابول دون مقاومة، وفي غضون عدة أسابيع سقطت مدينة قندهار أكبر معاقل حركة طالبان الإسلامية، وبدأت أمريكا بعدها عمليات عسكرية بغرض اقتناص رموز وقادة الحركات الإسلامية الموالية لتنظيم القاعدة، وعلى رأسهم المشتبه به الأول في الضلوع في هجمات 11 سبتمبر، أسامة بن لادن ومعاونه الأول أيمن الظواهري.

خاضت بعد ذلك قوات التحالف معارك ضارية مع مليشيات تابعة لحركة طالبان، وتنظيم القاعدة خلال 14 عامًا ظلت فيها القوات الأمريكية في أفغانستان حتى العام 2014، عندما أعلن الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» إنهاء العمليات العسكرية في أفغانستان، وخفض عدد القوات إلى 10.000 جندي فقط، الأمر الذي ثبت عدم دقته وتم تصحيحه رسميًا إلى 11 ألف جندي عام 2017، ولا تزال القوات الأمريكيّة لحدّ الآن في أفغانستان، رغم إعلانها تغيير الاستراتيجيّة الحربيّة إلى مجرّد تدريب وإرشاد القوّات الأفغانية، بدل المشاركة في العمليات القتالية بشكل مباشر.

9- حرب العراق 2003

الخسائر البشرية: ما يقرب من 500 ألف عراقي – 4326 جنديًّا أمريكيًّا.

في العام 2002 وعقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أن أمن الولايات المتحدة ودول العالم لن يستمر طالما امتلك نظام صدام حسين أسلحة للدمار الشامل، وطالما يدعم الرئيس العراقي جماعات إرهابية متطرفة، وطالب بإرسال بعثات تابعة للأمم المتحدة للتفتيش عن الأسلحة، والتي خرجت بتقرير – ثبت فيما بعد عدم صحته – تحركت على إثره القوات الأمريكية بشكل مباشر في العراق، وقامت بقصف بعض المواقع العراقية في مارس (أذار) 2003، الهجوم الذي كان بمثابة البداية لحرب قامت على ادعاءات كاذبة للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.