بريطانيا تتجاهل الاعتذار بعد مئة عام على مجزرة أمريتسار في الهند

وضع المفوّض السامي البريطاني لدى الهند إكليلا من الزهور السبت عند نصب تذكاري لإحياء الذكرى المئة لمجزرة أمريتسار، التي تعد من أسوأ الفظاعات التي ارتكبت خلال الحكم الاستعماري ولا تزال لندن تتجاهل تقديم اعتذار عنها.
 
وأطلق الجنود البريطانيون خلال المجزرة التي تعرف في الهند باسم "جليانوالا باج" النار على آلاف الرجال والنساء والأطفال العزّل في مدينة أمريتسار الواقعة في شمال الهند بتاريخ 13 نيسان/أبريل 1919.
 
ولا يزال عدد الضحايا الذين سقطوا خلال المجزرة التي عززت التأييد للاستقلال غير واضح. فبينما تشير سجلّات من الحقبة الاستعمارية إلى أن حصيلة القتلى بلغت 379، إلا أن الجانب الهندي يقدر العدد بنحو ألف قتيل.
 
وبعد مرور مئة عام، لم تصدر بريطانيا أي اعتذار رسمي. وقال المفوض السامي البريطاني دومينيك أسكويث السبت عند حديقة جليانوالا باج المسوّرة حيث لا تزال علامات طلقات الرصاص ظاهرة "وددنا لو أن بوسعنا إعادة كتابة التاريخ، كما قالت الملكة، لكن ذلك غير ممكن".
 
وأضاف "ما يمكن فعله كما قالت الملكة هو التعلّم من عبر التاريخ. أؤمن أننا نقوم بذلك. لا شك بأننا سنتذكر ذلك على الدوام. لن ننسى إطلاقا ما حصل هنا".
 
ووصف أسكويث، وهو من سلالة هربرت أسكويث الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا من 1908 إلى 1916، في السجل التذكاري المخصص للزوار الأحداث التي وقعت في أمريتسار بـ"المخزية".
 
وكتب "نشعر ببالغ الأسف لما حصل والمعاناة التي تسببت بها" الحادثة.
 
بدوره، وصف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المأساة بـ"المروعة" مشيرا إلى أن تذكّر القتلى "يلهمنا لتكثيف جهودنا لبناء الهند بطريقة تشعرهم بالفخر".
 
وحضر زعيم المعارضة راهول غاندي المراسم في أمريتسار ووصف يوم المجزرة عبر "تويتر" بـأنه "عار صدم العالم بأكمله وغيّر مسار الكفاح الهندي من أجل الحرية".
 
وفي زيارة أجراها عام 2013 إلى الموقع، وصف رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون ما حصل بالأمر "المخزي للغاية" لكن دون أن يقدم اعتذاراً رسمياً.
 
وعام 1997، وضعت الملكة إليزابيث الثانية إكليلا من الزهور على الموقع لكن زوجها الأمير فيليب الذي لطالما عرف بزلّاته خطف عناوين الصحف التي نقلت عنه قوله إن تقديرات الهند لعدد القتلى "مبالغ فيها بشكل كبير".
 
والأربعاء، قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمام مجلس العموم إن المجزرة كانت "وصمة عار في تاريخ بريطانيا في الهند".
 
وبينما قالت ماي "نشعر بأسف بالغ لما حصل" إلا أنها تجنبت كذلك الاعتذار.
 
وفي رد فعله على تصريحاتها، قال رئيس وزراء ولاية البنجاب أماريندر سينغ إن كلمات ماي غير كافية.
 
وقال إنه من الضروري أن يقدم البريطانيون "اعتذارا رسميا واضحا" على "الوحشية الهائلة" التي تصرّف بها جنودهم حينها.
 
وأشار إلى أن الآلاف حضروا مسيرة بالشموع الجمعة لتكريم الضحايا قبيل حفل تأبين سيقام في وقت لاحق السبت.
 
- "أكوام من الجثث" -
 
وتجمّع نحو 10 آلاف رجل وامرأة وطفل في حديقة جليانوالا باج العامة المسوّرة في أمريتسار بتاريخ 13 نيسان/ابريل 1919.
 
وكان كثيرون منهم يشعرون بالغضب جراء تمديد اجراءات اعتبرت قمعية وعملية اعتقال قيادين محليين تسببت باندلاع تظاهرات عنيفة قبل ثلاثة أيام.
 
وكان الـ13 من نيسان/أبريل يصادف كذلك يوم مهرجان كبير بمناسبة فصل الربيع. وشمل الحشد الذي يقدره البعض بعشرين ألفا حجاجا قدموا لزيارة معبد قريب مقدّس بالنسبة للسيخ.
 
ووصل العميد ريجنالد داير مع عشرات الجنود فحاصروا الحديقة وبدأوا بإطلاق النار على المتجمعين دون سابق إنذار.
 
وحاول كثيرون الفرار عبر التسلّق على الأسوار المرتفعة المحيطة بالمكان بينما قفز آخرون إلى داخل بئر عميق في الموقع فيما واصل الجنود إطلاق النار.
 
ومن الشهادات العديدة التي جمعها مؤرخان ونشرتها صحيفة "إنديان اكسبرس" هذا الاسبوع، شهادة راتان ديفي التي قتل زوجها في الهجوم والتي قالت حينها: "هناك أكوام من الجثث، بعضهم على ظهورهم والبعض الآخر وجوههم مرفوعة إلى الأعلى. عدد كبير من بينهم أطفال أبرياء لا ذنب لهم. لن أنسى هذا المشهد في حياتي".
 
- "وحشي" -
 
وأما داير، الذي لقّب بـ"سفاح أمريتسار"، فأشار لاحقا إلى أن الهدف من إطلاق النار لم يكن "تفريق الحشد بل معاقبة الهنود على العصيان".
 
وكررت الصحف الهندية هذا الأسبوع دعواتها لبريطانيا للاعتذار عن المجزرة التي وصفها ونستون تشرشل، الذي كان وزير الدولة لشؤون الحرب حينها، بـ"الوحشية".
 
وجاء في افتتاحية صحيفة "هندوستان تايمز" "حتى مع حلول مئوية المجزرة، رفضت بريطانيا (...) اتخاذ هذه الخطوة المهمة" والاعتذار. وبينما أقرت الصحيفة بأن بيان ماي "لربما أقوى بدرجة نوعيا (...) لكنه غير كافٍ على الإطلاق".