عن الجزائر أيضاً

الجزائر هي القطر العربي الوحيد في الاتحاد المغاربي الذي خضع للاحتلال الاستيطاني، وقدم من الضحايا في سبيل استرداد وجوده الوطني والقومي ما لم يقدمه شعب آخر على هذه الأرض. لهذا فإن من حقنا جميعاً أن نعطي ما يحث في الآن اهتماماً واسعاً حرصاً على أن لا يسقط مرة أخرى في الأيدي العابثة التي قد تسلمه طواعية أو كرهاً لمرحلة جديدة من الاستيطان أو ما يفقده "استقلالية" القرار لاسيما وقد برزت في صفوف المعارضة وجوه كانت قد اختفت ولم تعد تخشى أن تبدي مواقفها المناهضة لجزائر وطنية عربية ذات انتماء سيادي تام، وهي وجوه لن تتمكن من الانحراف بالجزائر فحسب بل قد تلحقه بأقطار عربية مجاورةٍ وغير مجاورة قادها المشبوهون إلى حالة من الفوضى والاحتراب الداخلي والاستقواء بالآخر المعادي.

إن الدعوة إلى التغيير وإلى تطور الأساليب الإدارية والدعوة إلى الديمقراطية، وإفساح المجال لعناصر وطنية شابة للمشاركة في الحكم وتطهير السلطة من أعمدة الجمود كل ذلك مطلوب ومرحب فيه، فالشعوب الحية والمنفتحة على الجديد لا تخشى من التغيير ولا ترفض عمليات التجديد حتى لا تبقى تدور في مربع يفتقد إلى التطور والنمو في عصر تتسارع فيه وسائل التحديث وتتجاوز معه الشعوب كل الأسباب التي تصنع التخلف وتحافظ على بنيته التقليدية وما يصدر الاحتفاظ بها من معوقات اقتصادية واجتماعية وثقافية.

الجزائر إذاً، مطالبة، أو بالأصح مطالب شعبها وقادته ومفكروه بأن تدخل من باب التغيير الإيجابي الهادف إلى بناء الحياة الجديدة والبنى المتجددة بدلاً عن ترك الأمور لكي تتخذ مسارين متصارعين لا ثالث لهما ، وأعني بهما مسار الجمود الراهن أو مسار التطرف والتخلي عن حساب كل المحاذير المطروحة على الطريق والتي من شأنها أن تقود إلى الكارثة، ومن يتابع الواقع الراهن هناك –بحالة من الحياد- يكتشف أن جزائر اليوم غير جزائر الأمس وأنها تتمتع بكم هائل من الكفاءات الفكرية والسياسية، وأنها ليست غنية بالثروة المادية فقط وإنما بثروة بشرية على درجة عالية من القدرة على العطاء.

وتشير أحداث الأيام الأخيرة في الجزائر إلى أن الرئيس عبدالعزيز بو تفليقه قد تمكن من الانتصار على القوة المحيطة به وفتح باستقالته أبواباً متاحة للخروج من الأزمة والوصول إلى قواسم مشتركة بين القوى المنادية للتغيير تحميها من الوقوع في براثن التنافس والانقسام وتمثل الأدوار التي سبق لقوى نادت بالتغيير في أماكن أخرى من الوطن العربي ولم تحقق لها ذلك وجدت أن بناء الأنظمة أصعب بما لا يقاس من إسقاطها. وخروج الجماهير إلى الشارع لا يكفي لتحقيق كل أو بعض ما كانت تحلم بتحقيقه.
كما أن الآمال وحدها لا تكفي أيضا ما لم يرافقها عمل جاد ومتابعة دؤوبة. وأكبر مشكلات أقطارنا العربية والجزائر في المقدمة أن آمالها أكثر من أعمالها.

ولا ننسى أن بلد المليون شهيد قادرة على أن تحقق ملايين الأحلام المرفقة بالجهد والعمل، وقد أثبتت الأيام سواء قبل الثورة على الاحتلال الاستيطاني أو بعدها أن الإنسان العربي في الجزائر برهن على اقتداره في تحدي كل المعوقات الصغيرة والكبيرة. كما برهن في سنوات ما بعد الاستقلال على الوصول اقتصاديا واجتماعياً إلى درجة جعلت الآخرين يضعونه في مقدمة الأقطار التي تجاوزت مراحل النمو إلى مستويات الدول المتقدمة، ولولا التآمر الخارجي وما تعرضت له الجزائر من محن داخلية وصراعات وصلت إلى ما سمية بــــِ" السنوات السوداء" لكان وضع هذه البلاد أفضل مما هو عليه الآن بكثير.

والشعب العربي يأمل من شعب عبدالقادر الجزائري موقفاً لا يتزعزع ولا يحيد عن الطريق التي رسمها ذلك القائد العظيم. كما يأمل أن لا تقع في براثن الانقسامات التي وقعت فيها بعض الدول العربية القريبة منها أو البعيدة.

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك