خلافات مزمنة توصل العلاقات الفرنسية الإيطالية إلى حافة الهاوية

تراكمت الملفات الخلافية سواء كانت دولية أو إقليمية التي أدت إلى مزيد تأزيم العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، خاصّة بعدما أعلنت الحكومة الإيطالية الشعبوية مؤخرا عن دعمها المطلق لحركة السترات الصفراء التي تقود سلسلة تحركات احتجاجية ضد نظام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
 
وزادت الخطوة التي أغضبت فرنسا والتي أقدم عليها نائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو، زعيم حركة “الخمس نجوم” على مدونة الحزب “السترات الصفراء، لا تضعفوا”، من حدة التوتر بين البلدين خاصة أن فرنسا تصارع رفقة ألمانيا لمجابهة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
 
وتتنافس باريس وروما أيضا في ملفات دولية وإقليمية تبقى على رأسها القضية الليبية، حيث يسعى كل طرف إلى تدعيم نفوذه في هذا البلد الذي مزقته الحروب الدامية منذ عام 2011، وذلك باصطفاف كل منهما إلى جانب طرف سياسي على حساب آخر في ليبيا.
 
والعلاقات بين فرنسا وإيطاليا كانت دائما مضطربة، لكن الأجواء تدهورت بشكل خطير منذ وصول أول حكومة شعبوية إلى السلطة في إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي.
 
وقال جان بيار دارني الخبير في العلاقات الفرنسية الإيطالية بين جامعتي روما ونيس “لم نصل إلى هذه المرحلة بعد”، لكن منذ أسابيع يتصاعد التوتر من تصريحات صغيرة إلى اتهامات وصولا إلى درجة أن الحوار السياسي بين البلدين توقف، باعتراف الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو.
 
ولمرتين استدعت وزارة الخارجية الإيطالية السفير الفرنسي في روما كريستيان ماسيه، وفي المرتين من أجل الملف الذي يرتدي حساسية كبيرة بالنسبة للإيطاليين: وهي مسألة الهجرة.
 
وتأخذ روما على فرنسا “التي تلقي دروسا” أكثر من الدول الأوروبية الأخرى، بأنها تركتها تدير وحدها ولسنوات وصول عشرات الآلاف من المهاجرين إلى سواحلها.
 
ولا يكف نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني الرجل القوي في هذه الحكومة الجديدة وزعيم حزب “الرابطة” اليميني القومي، عن إدانة ما يسميه “نفاق” إيمانويل ماكرون معتبرا أنه “رئيس سيء” يجب على الفرنسيين التخلص عنه بسرعة.
 
وموقف ليويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء أيضا وزعيم حركة خمس نجوم المعادية للنظام السياسي، ليس أفضل. فهو يرى أن فرنسا “الاستعمارية” مسؤولة عن تسلل الأفارقة إلى أوروبا.
 
ورفض الرئيس الفرنسي الأحد الرد على هذه الانتقادات. وقال في مؤتمر صحافي في اليوم الأول من زيارته مصر “لن أرد. هذا كل ما يريدانه (أن أرد)”، مضيفا “الأمر برمّته لا قيمة له”. وأكد أن “الشعب الإيطالي صديق لنا ويستحق زعماء على مستوى تاريخه”.
 
وقال دومينيك مويزي الخبير في العلاقات الدولية في مقال نشر الأسبوع الماضي إن “فرنسا ينظر إليها بطريقة انفعالية ومتهمة بأنها احترقت إيطاليا وحتى تخلت عنها”.
 
ومن جهتها عبرّت ماريا روزاريا فاريلا (54 عاما) التي تبيع صحفا في ميلانو، عن أسفها لأن “الفرنسيين هم الذين بدأوا في عدم حب الإيطاليين”. وأضافت أن “الأوروبيين ينظرون إلينا نحن الإيطاليين على أننا نمثل البيتزا والقيثارة والمافيا وفقط بهذا الشكل، إنهم يعتقدون أننا سطحيون”. وتابعت “نعتقد أن الفرنسيين وقحون قليلا. هذا يظهر بوضوح في كرة القدم”.
 
وخلال مباريات كأس العالم في الصيف كان من الصعب العثور في إيطاليا على مشجعين لمنتخب فرنسا. ودعم الإيطاليون بقوة كرواتيا وتداولوا على الإنترنت رسما بيانيا يشير إلى أن البلد الوحيد في العالم الذي يدعم فرنسا هو فرنسا.
 
وبدأت أوساط الأعمال تشعر بالقلق من هذا الوضع بينما تحتل فرنسا المرتبة الثانية في سوق الصادرات الإيطالية، وإن كانت لا ترى حاليا في الوقت الحالي عواقب اقتصادية.
 
وقالت ليسيا ماتيولي نائبة رئيس منظمة أرباب العمل الإيطاليين (كونفيندوستريا) “داخل عالم الأعمال ليست هناك مشكلة (بين فرنسا وإيطاليا) وليست هناك مشاعر عداء حيال فرنسا”، مضيفة “نأمل أن يتراجع التوتر وأن نتمكن من مواصلة العمل معا كما يحدث الآن”.
 
أما دارنيس فقد أكد أن الصعوبة تكمن في أن الحكومة “تقوم بحملة انتخابية دائمة”، وهو رأي عبر عنه العديد من المعلقين في إيطاليا.
 
وكتبت صحيفة “ايل ميساجيرو” مثلا أن “سالفيني ودي مايو مصممان على جعل باريس العدو استعدادا للانتخابات الأوروبية التي ستجرى في مايو”.
 
وترى أوساط فرنسية في إيطاليا لا تتقبل الانتقادات الصغيرة، أن هذه الحملة ستتواصل على الأرجح قبل هذا الموعد. وقال أحد هؤلاء الفرنسيين في روما إن “الكلمات يمكن أن تؤذي، يمكنها أيضا التسبب بإحباط”، مشيرا إلى خطر أن تواجه روما عزلة.
 
ومن جهته، حذر رئيس الوزراء الإيطالي السابق المفوض الأوروبي حاليا ماريو مونتي من أنه “على الموجودين في الحكومة الآن تجنب عدم التضحية بالخيارات والمصداقية في الخارج من أجل قضايا خلافية داخلية”.