ناشيونال إنتريست: كيف يحصل حزب الله على الأموال لتنفيذ نشاطاته؟

في 10 يناير/كانون الثاني، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن بلاده لن تقبل بوجود كبير لحزب الله في لبنان باعتبار أنه أمر واقع. وانتقد بومبيو الطريقة التي تعامل بها أوباما مع الجماعة المسلحة المدعومة من إيران، مشددًا على أن إدارة ترامب تستهدف كلًا من إيران وحزب الله في الوقت نفسه.
 
ومنذ توليه السلطة في بداية 2017، فرض ترامب مجموعة من العقوبات على إيران وحزب الله. وعلى الرغم من تصنيف الأخيرة كتنظيم إرهابي منذ عام 1997 من طرف الخارجية الأمريكية، إلا أنها واصلت تحركاتها العسكرية بشكل متزايد.
 
لسنوات عدة، ركز أعداء حزب الله على تحركاته العسكرية، لكنهم تجاهلوا الموارد المالية التي تصل إلى الحزب. وتأتي أهمية ذلك من كون لبنان دولة مركبة، يحتاج فيها الحزب إلى موارد مادية ضخمة مقارنة بالأطراف السياسية الأخرى. ومنذ 2006، وضع حزب الله نفسه كأكبر قوة بعد الدولة اللبنانية.
 
وعلى الرغم من أن العامل الديني مهم في تأمين الطبيعة الشيعية للحزب، إلا أنه استطاع، من خلال المال، تنفيذ أنشطته واكتساب ولاء الكثيرين من أفراد المجتمع اللبناني.
 
تحول جزئي عن أموال إيران
 
رغم أن الحزب اعتمد بشكل كبير عند تأسيسه على إيران في توفير الموارد المالية، إلا أنه حاول تنويع مصادره المادية لاحقًا، بهدف توفير موارد أكبر، وبهدف تجنيب إيران مزيدًا من التكاليف لتمويل شبكاته حول العالم.
 
وهكذا، بنى الحزب اقتصاده الخاص الموازي للدولة، وانغمس في الأنشطة الاقتصادية والمالية عبر القارات. وتشمل هذه الشبكة مجموعة من مؤسسات الإجرام وغسيل الأموال والشركات الوهمية.
 
يحصل الحزب على تمويله من 5 جهات: المرشد الأعلى الإيراني، والدولة الإيرانية، وشبكة أعمال الحزب في الخارج، وزكاة الخمس من الشيعة، وشبكات الاقتصاد الموازي في الداخل اللبناني.
 
لا يعرف على وجه الدقة ميزانية الحزب، لكن يعتقد بأن 70-80% منها تأتي من إيران، بما يقدر بـ700 مليون دولار سنويًا.
 
أسباب النجاة
 
إدراكًا من الحزب لضعفه المالي، قام بتخفيض نفقاته مؤخرًا، وتشجيع مؤيديه على العثور على مناصب حكومية. الهدف من هذه الحركة هو تخفيض النفقات الكبيرة، وتحويل الأعباء المالية إلى الحكومة اللبنانية.
 
ومع ذلك، يمكن القول إن الحزب تمكن جزئيًا من النجاة من العقوبات لأسباب عدة:
 
أولًا: لم تكن العقوبات الأمريكية على إيران شديدة بما فيه الكفاية؛ فمنذ عام 2009، أصبح الشعب الإيراني أكثر حساسية فيما يتعلق بالدعم الذي تقدمه دولتهم للحلفاء الإقليميين. وقد أثبتت التجربة أنه كلما كانت العقوبات على إيران أشد، كلما زاد الضعط الداخلي، وبالتالي إجبار الدولة على تقليل دعمها للحلفاء في المنطقة. وقد حدث ذلك أكثر من مرة خلال العقد الأخير، خصوصًا في 2009 و2014.
 
ثانيًا: هناك مشكلة تتعلق بأموال المرشد الأعلى؛ فوفقًا لتحقيقات رويترز عام 2013، يتحكم خامنئي بعشرات مليارات الدولارات في استثمارات سرية. يعتقد أن الدعم القادم من خامنئي نفسه لحزب الله يشكل الجزء الأكبر من ميزانية الحزب اللبناني. وخلافًا للأموال التي تأتي من إيران كدولة، يصعب تتبع هذه الأموال أو تحديد وجهاتها واستهدافها. ويعتقد بأن هذه الأموال يجري تسليمها إلى الحزب خارج المؤسسات البنكية، وعبر الحقائب بشكل رئيس.
 
إن وجود سفارة دبلوماسية لإيران له دور كبير في إيصال الأموال، كما أن الحدود مع سوريا تجعل الأمور أكثر سهولة.
 
ثالثًا: يمتلك حزب الله إمبراطورية مالية أجنبية؛ فعلى الرغم من جهود ملاحقتها، إلا أن الإجراءات لم تكن كافية لتجفيف منابع هذه الأموال.
 
وقد بدأ الحزب في استخدام تواجده في مناطق سوريا والعراق عبر إنشاء شركات وهمية من أجل استقبال الأموال، لا سيما شركات الأعمال التجارية والمقاولات، خصوصًا في العراق.
 
رابعًا: استغلال الحزب للدولة: طالما ظل الحزب جزءًا من الدولة اللبنانية، وقادرًا على استغلال بيئته الشيعية، سيكون من الصعب تتبع النظام المالي للحزب.
 
لا يزال الدعم المالي والأيديولوجي للحزب في البيئة الشيعية قويًا، حتى في الوقت الذي انخفضت فيه شعبية حزب الله في العالم الإسلامي. أحد الأسباب لذلك هو أن الحزب لعب على الوتر الطائفي من أجل جمع الشيعة من حوله، خصوصًا بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. وبعد انتهاء الحرب الآن، يعمل الحزب على إعادة بناء شرعيته من خلال “الانفتاح البطيء” على الجماعات السنية.
 
إن خطاب “المقاومة” هو أحد الأدوات التي يحاول من خلالها الحزب الحصول على دعم السنة في جميع أنحاء المنطقة، وإذا نجحت تلك الجهود فإن مزيدًا من الحماية سيحظى بها الحزب، الأمر الذي يجعل جهود استهداف موارده المالية أكثر صعوبة.
 
بشكل عام، يمكن القول إن إجراءات ترامب لمعاقبة حزب الله قد تعقد الوضع المالي للحزب، لكنها لن تكون قادرة على إلحاق هزيمة كاسحة به. إن الدعم المقدم من المرشد، والدخل الذي يحصل عليه من الأنشطة الخارجية والاقتصاد الموازي ستعمل على بقائه على قيد الحياة مقابل العقوبات المالية.