الهيليكويدي: من حلم المركز التجاري الفخم إلى أبشع معقل لتعذيب المعتقلين بفنزويلا

كان الهيليكويدي يوما حلما في أمريكا اللاتينية، ولكنه اليوم أصبح سجنا يخافه الفنزويليون في بلد منهار اقتصاديا.
 
فبعد أن كان من المفترض أن يمثل ذلك المبنى الثراء والتقدم أصبح مكانا لتعذيب السجناء السياسيين.
 
تقول حكاية الهيليكويدي إنه كان من المقرر أن يكون أول مبنى تجاري في العالم تدخله السيارات. ولكن لم يكتمل بناؤه أبدا وفي نفس الوقت أصبح مركزا للشرطة السرية.
 
وشهدت فنزويلا بين عامي 2014 و2017 مظاهرات ضد الحكومة حيث تصدت قوات مكافحة الشغب للمتظاهرين واعتقلت الآلاف، وكثيرون منهم أخذوا إلى الهيليكويدي.
 
لم يصور أحد المبنى الواقع في قلب العاصمة كاراكاس من الداخل. لكن حراسا وسجناء ساعدوا بي بي سي على إعادة تصور الأوضاع الصادمة هناك.
وطلبت بي بي سي من الحكومة الرد، إلا أنها لم تتلق جوابا.
 
حكاية روزميت مانتيلا
 
كان روزميت مانتيلا في الـ 32 من عمره عندما وصل إلى إلهيليكويدي في مايو/آيار عام 2014.
 
كان روزميت ناشطا ومتحدثا باسم مجتمع المثليين وقد انتخب في الجمعية الوطنية كأول مثلي علني يدخل البرلمان.
 
وفي عام 2014 كان واحدا من بين 3 آلاف شخص ألقي القبض عليهم في المظاهرات المناوئة للحكومة.
 
فقد باتت الحياة في فنزويلا صعبة بشكل متزايد فالتضخم خرج عن السيطرة وهناك نقص في الغذاء والدواء ويعاني الشعب من انقطاع متكرر في الكهرباء والمياه.
 
وقد اتهم روزميت بتمويل المظاهرات وهو الأمر الذي نفاه. ولكنه اعتقل وذهب إلى الهيليكويدي.
 
ويقول مانتيلا : "أمضيت عامين و 6 أشهر و8 أيام هناك وهو ربما أكبر مركز تعذيب في فنزويلا."
 
وأضاف قائلا : "كان المتظاهرون يحشرون في زنزانات في أوضاع مريعة."
 
وتابع قائلا: "إذا تمكنوا من دفع 100 شخص في غرفة فإن الغرفة ستكون كافية لـ 100 شخص."
 
وقال: " تخيل درج الطوارئ في الفندق عادة ما يكون ضيقا ولا يوجد به ضوء أضافوا إليه أعمدة ووضعوا أناسا في الداخل."
 
وعندما وصل روزميت إلى السجن عام 2014 كان به 40 معتقلا ولكن بعد عامين وصل العدد إلى 300.
 
الاستجواب
 
أكد كل المعتقلين السابقين والحراس الذين تحدثت معهم بي بي سي عن تجاربهم في الهيليكويدي تعرضهم للتعذيب لنزع الاعترافات.

ويقول روزميت : "يوميا كنت ألتقي بأناس غارقين في دمائهم وآخرين مقيدين والبعض فاقد الوعي."
 
فعمل على جمع قصصهم لينتهي روزميت إلى أن أساليب وحشية تستخدم لنزع الاعترافات في ذلك المكان.
 
ويضيف قائلا:"كان هناك طالب جامعي وقد وضع كيس بلاستيكي على رأسه به براز فكان مضطرا للتنفس فيه، وسمعت عن أناس تعرضوا للاغتصاب وآخرين تعرضوا للصدمات الكهربائية وتم عصب أعين البعض لعدة أيام."
 
تأكيد الرواية
 
وقد أكد حارسان عملا في السجن، تم تغيير اسميهما لحمايتهما، صدق قصته.
 
ويقول الأول "فيكتور" إن القوى الأمنية استخدمت التعذيب لنزع الاعترافات.
 
ويضيف قائلا: " يأخذون كيسا شفافا ويخنقون به المعتقل لأخذ معلومات عبر تغطية رأسه بالكيس ويستخدمون أجهزة كهربائية صغيرة على أجزاء من أجسام السجناء على الرقبة والأقدام والضلوع وحتى الأعضاء التناسلية."
 
ويقول مانويل، وهو اسم مستعار لضابط سابق: " تربط ذراعا السجين خلف ظهره وتربط قدماه أيضا بذراعيه من الخلف ويربط الحبل بعمود حديدي ويستخدم كالبكرة".
 
ويضيف قائلا: "إنه عارض العنف ولم يكن جزءا منه."
 
واجهته بي بي سي بقول الكثير من السجناء بأنه كان متورطا في عمليات ضرب. فرد قائلا: " لكي تتهم شخصا عليك أن تأتي بدليل."
 
ووثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية العديد من مزاعم التعذيب في هذا المكان.
 
كان رادولفو غونزاليس، البالغ من العمر 64 عاما، طيارا متقاعدا وأبا لفتاتين.
 
قضى غونزاليس عامين في الهيليكويدي بتهمة تمويل أنشطة مناوئة للحكومة.
 
في 12 مارس/آذار 2015، شنق نفسه في زنزانته عندما علم أنه سينقل إلى سجن ياري سيء السمعة الذي قيل له إنه سيواجه فيه الموت حتما من قبل عصابات المخدرات والمجرمين الآخرين.
 
كان تهديده بالنقل لذلك السجن وسيلة ضغط نفسي لانتزاع اعتراف منه ولكن الأمر انتهى بانتحاره.
 
وقالت ابنته لبي بي سي: " ما حدث دمر أسرتنا، لقد شعرنا بالغضب والألم."
 
الفساد
 
وقال روزميت إن الفساد يضرب بقوة في ذلك السجن، فالسجين الذي بحوزته مالا يمكنه شراء أي شيء من الماء والمراتب وحتى الكحول والمخدرات.
 
ومع انهيار قيمة العملة بدأ الحراس يطلبون رشاوى.
 
ولقد وثق حالات لمتهمين جنائيين يعفون من تنفيذ أحكام بحقهم بسبب دفعهم رشاوى. وقد قال سجناء آخرون قصصا مماثلة لبي بي سي.
 
وقال الحارس مانويل: "هناك سجناء يدفعون من أجل زيارة أطول لأسرهم أو للسماح بالزيارة في أي وقت يريدونه كما دفعت بعض الأسر رشاوى للسماح لها بإدخال مواد ممنوعة مثل الهاتف المحمول."
 
"لا تسقط بالتقادم"
 
بعد حوالي عامين ونصف في السجن وتحديدا في أكتوبر/تشرين أول عام 2016 كان روزميت مريضا للغاية لدرجة دفعت سلطات السجن لنقله لمستشفى.
 
ويقول:"قرر الأطباء أنني بحاجة لعملية جراحية عاجلة لأن المرارة حالتها سيئة والبنكرياس مصاب بعدوى". ولكن سلطات السجن أعادتني ووضعتني في زنزانة منعزلة، لقد كان حكما بالإعدام ضدي".
 
وأضاف قائلا: "بعد 10 أيام رضخت إدارة السجن للضغوط فتم نقلي لمستشفى عسكري ثم لعيادة حيث أجريت العملية أخيرا. وفي نوفمبر/تشرين ثاني 2016 تم إطلاق سراحي رسميا."
 
بعد إطلاق سراحه لم يشعر روزميت أبدا بالأمان في فنزويلا التي غادرها في يوليو/تموز عام 2017 إلى فرنسا حيث حصل على لجوء سياسي في مايو/آيار عام 2018.
 
كما غادر مانويل وفيكتور فنزويلا أيضا ويعيشان في مكان آخر.
 
وفي مايو/آيار عام 2018، شهد سجن الهيليكويدي أحداث شغب وأطلق سراح عدد من المعتقلين، كما تعهدت السلطات بتحسين أوضاع هذا السجن ولكن بعض المعتقلين الذين غادروا مؤخرا قالوا لبي بي سي إن الوضع لم يتغير كثيرا.
 
ويقول روزميت: "إن الجرائم ضد حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم."