كيف انخرطت المخابرات التركية في دعم الحركات الارهابية في الصومال وسوريا؟

وفقًا لتقرير مجلة “نورديك مونيتور” الصادر في 17 يناير/كانون الثاني 2019، تقوم وكالة المخابرات التركية، بقيادة رجل إسلاموي موال لإيران، بتقديم مئات الآلاف من الدولارات لمنظمة الشباب الإرهابية في الصومال عبر معتقل سابق في غوانتانامو.
 
في الحادثة الأخيرة، علمت الحكومة الأمريكية بعملية نقل الأموال، فسارعت إلى تحذير السلطات التركية، وطلبت إجراء تحقيقات في الشبكة المسؤولة عن عمليات التمويل المستمرة لـ”الشباب”. إلا أن حكومة إردوغان عملت فورًا على إخماد التحقيقات بعد بدئها بفترة وجيزة، بعد أن حصلت على تنبيه من مكتب الاستخبارات المالية التركي حول تورط أحد عملاء المخابرات التركية في عمليات تمويل حركة الشباب، بمبلغ لا يقل عن 600,000 دولار. وتفيد المعلومات الموثقة في مكتب ديفيد إس كوهين أن العميل التركي إبراهيم سين (37 سنة) تورط في تحويل المبلغ المذكور إلى “الشباب”.
 
ومن أجل التستر على الأمر، ادّعت حكومة إردوغان أن هيئة تحقيقات الجرائم المالية (MASAK) -الخاضعة لوزارة المالية التركية بقيادة صهر إردوغان بيرات ألبيرق- “لم تجد أي دليل يثبت تهريب الأموال”. وتشير المعلومات المؤكدة إلى أن حكومة إردوغان عملت على طمس التحقيق بشأن المواطن التركي إبراهيم سين، لأن الرجل مجنّد لدى وكالة المخابرات التركية بغرض توجيه الجهاديين نحو سوريا، وهذا ما كشفت عنه تحقيقات رسمية في وقت سابق.
 
ومن الجدير ذكره أن “سين” عمل سابقًا مع تنظيم القاعدة، وجرى اعتقاله وإدانته في باكستان بسبب ارتباطاته بالتنظيم، وجرى كذلك تحويله إلى سجن غوانتانامو، قبل أن تفرج عنه السلطات الأمريكية في عام 2005. ووفقًا للمعلومات الواردة في التحقيقات، بدأ “سين” بالعمل مع المخابرات التركية في عام 2011 بالتزامن مع بدء الحرب الأهلية السورية. وتكشف المعلومات أن الرجل نجا من كل التبعات القانونية بفضل تغطيته السياسية من طرف الحكومة التركية، وكذلك بفضل اتصالاته السرية مع المخابرات التركية.
 
وتفيد الأدلة أن “سين” جرى اعتقاله في يناير/كانون الثاني 2014، ثم أفرجت عنه الحكومة التركية فورًا، ثم اعتقلته الشرطة في أكتوبر/تشرين الأول 2014 قبل أن تفرج عنه الحكومة مرة أخرى. حينها، أوقفت الحكومة، بأوامر من إردوغان، التحقيقات كافة بحق هذا الرجل، ثم أمر الرئيس بتسريح ضباط الشرطة والمحققين والقضاة الذين انخرطوا في عملية التحقيق والمحاكمة. حينها، حصلت النيابة العامة على تسجيلات صوتية بأمر من المحكمة، الأمر الذي فضح ارتباطات “سين” بوكالة المخابرات التركية.
 
وتفيد مصادر أن المخابرات التركية مكّنت “سين” من تحويل الأموال لحركة الشباب عبر منظمات غير حكومية، لتخدم كساتر يخفي نشاطاته السرية المدعومة من المخابرات. شملت تلك المنظمات “مؤسسة حقوق الإنسان والحريات” و”مؤسسة الإغاثة الإنسانية”. وبالفعل، ساعدت هاتان المنظمتان العميل التركي في إخفاء الشحنات غير القانونية، ليس إلى الشباب في الصومال فحسب، بل كذلك إلى الجهاديين في سوريا.
 
وعند الحديث عن سوريا، كشفت المعلومات عن اشتراك 3 أشخاص إلى جانب “سين”، عملوا جميعًا على تهريب الأموال والسلع والسلاح إلى سوريا، تحت ساتر مؤسسة الإغاثة التركية، هم عمر فاروق أكسيبزيسي، ورجب سمدالي، وإبراهيم خليل إلغي. وتثبت التسجيلات الصوتية كيف خطط “سين” مع هؤلاء لاستخدام سيارات الإسعاف لنقل السلع والسلاح إلى الجهاديين في سوريا، بعد أن جرى منع دخول الشاحنات الكبيرة إلى الأراضي السورية.
 
تجدر الإشارة كذلك إلى أن “عبد القادر”، شقيق “سين”، يعمل مع القاعدة، وحصل على إفراج فوري بأمر من الحكومة بعد أن اعتقلته الشرطة. وبحسب التحقيقات، قام عبد القادر بتأليف كتب أدت إلى تطرف الكثير من الشباب الأتراك. لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو ارتباطات عبد القادر بقاتل السفير الروسي في أنقرة. وبرغم ذلك، هرعت الحكومة إلى نفي علاقة تنظيم القاعدة بعملية قتل السفير الروسي. تشير هذه الدلائل إلى أن الشرطة التركية لا تمتلك معلومات حول عملاء المخابرات التركية من الجهاديين، الأمر الذي قاد إلى هذه الدوامة من “الاعتقال من قبل الشرطة ثم الإفراج عنه بأوامر حكومية”.
 
وبالعودة إلى الصومال، تكشف المعلومات كذلك أن المسؤولين الأمنيين الذين عملوا في السفارتين البريطانية والفرنسية في تركيا، طلبوا من نظرائهم الأتراك تشارك معلومات حول “سين” وشقيقه باعتبارهما جهادييْن يمارسان تهريب المال إلى الصومال، لكن الحكومة التركية وفرت الحماية لهما عبر نفي تورطهما في نقل الأموال، من خلال القول إن “الكشوفات البنكية لا تثبت أي تحويلات مالية في هذا الشأن”، في استهتار كبير لعقول البريطانيين والفرنسيين، وكأن الجهاديين يهرّبون الأموال عبر الأنظمة المصرفية الرسمية.
 
هذا الأمر يثير السخرية، لا سيما عند معرفة حقيقة أن الأموال التي يقدمها إردوغان للحكومة الصومالية، يجري نقلها نقدًا في حقائب عبر الخطوط الجوية التركية. لقد أظهر إردوغان اهتمامًا بالغًا في الصومال منذ عام 2011 بغرض توسيع نفوذه في البلاد، برغم حقيقة دعمه للتمرد فيها عبر المخابرات التركية. أمر إردوغان ببناء سفارة ضخمة في مقديشو، وكذلك منشأة تدريب وأكاديمية عسكرية، وعيّن المقرب منه، الإسلاموي سمالتين كاني توران، كسفير في مقديشو.
 
وبحسب أحد المطلعين على بواطن الأمور، قام “كاني” بتحويل ملايين الدولارات إلى مساعدي إردوغان. لكن “كاني” لم يفعل ذلك فحسب، بل اجتمع أيضًا بقيادات تنظيم الشباب سرًا وباعهم أسلحة، قبل أن يكافئه إردوغان عبر تعيينه ككبير مستشاري الرئاسة التركية.
 
هذه الحقائق الدامغة دفعت الخبير الأمريكي البارز مايكل روبين إلى الدعوة في 18 يناير/كانون الثاني إلى “تصنيف تركيا كدولة راعية للإرهاب”، وذلك عبر مقالة في صحيفة “واشنطن إكزامينر” الأمريكية. وقد ركز روبين حديثه على الدعم التركي المتواصل للمجموعات الجهادية في سوريا، وقال إن “أنقرة دخلت في شراكة حقيقية مع مجموعات متطرفة بغرض تحقيق أهداف الحكومة التركية الأوسع، ما سيشكل تهديدًا أكبر على المنطقة ككل”.
 
وأضاف روبين أن الارتباطات التركية بالمجموعات المتشددة لم تقتصر على الصومال وسوريا فحسب، بل شملت كذلك بعض الميليشيات في ليبيا، وهو ما أكدته كذلك مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية في 11 يناير/كانون الثاني. وبحسب “ناشونال إنترست”، اعترضت السلطات الليبية شحنات أسلحة تركية موجهة إلى ميليشيات إسلامية ليبية، في تحد صارخ لقرار الحظر المفروض من الأمم المتحدة. وأضاف روبين أن تركيا دعمت كذلك مجموعات متطرفة في نيجيريا، استنادًا إلى تقرير صادر عن مركز أبحاث “أميركان إنتربرايز إنستيتيوت” الأمريكي.