"أكسفورد الشرق" التي نهبتها مليشيا الحوثي

جاءت دعوة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، الاثنين، للتدخّل لإجبار ميليشيات الحوثي الانقلابية، على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد، لتفتح الباب أمام ممارسات الميليشيات الممنهجة لطمس هوية وحضارة اليمن العريقة.

فقد أقدم الحوثيون على سرقة ونهب المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية ونفائس نادرة من مكتبة زبيد، توثق تاريخ المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الـ13 إلى القرن الـ15 الميلادي، وهو ما اعتبره مدير عام "إيسيسكو"، عبدالعزيز التويجري، "عملا إجراميا بحق التراث الحضاري اليمني، ومخالفة خطيرة للمواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحماية التراث الحضاري والمحافظة عليه".


ودعا التويجري، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وبخاصة اليونسكو، إلى التدخّل لإجبار الحوثيين على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد، باعتباره جزءا من التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، والذي تنص اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاعات المسلحة على تجريم الاعتداء عليه.

يأتي ذلك بعد معلومات عن زراعة ميليشيا الحوثي مئات الألغام والعبوات الناسفة في مدينة زبيد وأسوارها التاريخية غرب اليمن، وتهديدهم بنسفها ومحوها في حالة تقدم قوات الشرعية اليمنية لانتزاعها منهم.

أكسفورد الشرق

تعد زبيد التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم «اليونسكو»، عام 1993م في قائمة التراث العالمي، أول مدينة إسلامية بُنيت في اليمن عام 204 للهجرة، بأمر من الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد، كما صنفت في مارس 1998 ضمن المدن التاريخية العالمية.

المباني التاريخية في زبيد
المباني التاريخية في زبيد

وظلت زبيد الواقعة على بعد نحو 75 كيلومتراً جنوب شرق مدينة #الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، لقرون درة معمارية ومركزا للعلوم الإسلامية.

تضم حوالي 2400 منزل تقليدي، يتراوح تاريخ بنائها بين 200 إلى 600 سنة، ووصفها المستشرق الفرنسي بول بوننفال بــ "أكسفورد الشرق"، وظلت عاصمة ومركز حكم للدويلات المتعاقبة مثل الدولة النجاحية والمهدية.

سور وأبواب المدينة

يحيط بالمدينة القديمة سور من الياجور شيد في القرن الثالث الهجري في عهد الأمير سلامة، وجدد هذا السور وأضيفت إليه إضافات أخرى في عهد الدويلات التي تلت، حتى هدم في عهد الدولة العثمانية 1045هـ، ثم أسند بناؤه للقاضي الحسن بن عقيل الحازمي قاضي زبيد في عام 1222هـ.

وتوجد للمدينة خمسة أبواب هي باب سهام في الشمال والشبارق في الشرق والقرتب في الجنوب والنخيل في الغرب وباب النصر في الجنوب الشرقي حيث القلعة المعروفة بدار الناصري الكبير والتي أنشئت في عهد الملك الناصر الرسولي على أنقاض قصور الزياديين والرسوليين في عام 828هـ.

ومن أهم مساجد زبيد جامع الأشاعر والذي يعتبر من العمائر الدينية المهمة في زبيد ويذكر ابن الأثير أنه قد تم تأسيسه في عام 10هـ 631م.

مدينة العلم والعلماء

أنشئت في مدينة زبيد العديد من المساجد والمدارس الدينية، التي درس فيها بجانب علوم الفقه واللغة علوم الطب والفلك والزراعة والكيمياء والجبر والحساب والمساحة وغيرها من العلوم.

وكان لزبيد مدينة العلم والعلماء السبق العلمي من بين مدن اليمن، فقد نشأت فيها أول مدرسة في اليمن وكان ذلك في أواخر حكم الدولة الأيوبية 569- 626 هـ 1173-1229م.

وأيام الملك المعز إسماعيل ابن طغتكين بن أيوب حيث شرع ببناء أول مدرسة في زبيد عام "594 هـ-1197م وسميت بالمدرسة المعزية ثم انتشرت المدارس بشكل سريع أيام الدولة الرسولية "626-858 هــ 1229- 1454م.

احتلت مدينة زبيد مركزاً ثقافياً عالي المستوى في الربع الأخير من القرن الثامن الهجري بعد أفول أو تضاؤل أهمية المراكز الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي مثل بغداد ودمشق والقاهرة، وكانت مصدر تخريج العلماء والأئمة وكبار الشعراء والأدباء على امتداد الساحة اليمنية والعالم الإسلامي، وذلك من خلال العديد من مصنَّفاتهم ومؤلفاتهم وكتبهم التي مثـَّلت أساسا مرجعياً للفكر العربي والإسلامي.

وارتبطت بالعديد من الأسماء الهامة في مختلف الجوانب العلمية، ويعتبر معجم "تاج العروس" من جواهر القاموس للمرتضى الزبيدي إحدى النتاجات العلمية الخالدة التي أبدعتها زبيد فقد مثل هذا المعجم كما يقول الباحثون ذروة نتاج المعاجم اللغويّة.