مشاورات السويد... من الرابح؟

حتى عشية اليوم الأخير للمشاورات اليمنية في السويد، كانت الأخبار المتداولة أن الممكن الوحيد هو إبرام اتفاق بشأن مطار صنعاء بعد أن أبدى الحوثيون موافقتهم على أن تتوقف الرحلات المتجهة منه إلى الخارج للتفتيش في مطاري عدن أو سيئون. كان واضحاً أن ملف مطار صنعاء غير معقد بالمرة، وربما تراءى للبعض أن اشتراط تفتيش الطائرات في مطار آخر أمر غير ذي أهمية، وأن على الحكومة الضغط من أجل المقايضة في ملف آخر، لهذا بدت الحديدة الملف الصعب في المشاورات.

في صباح اليوم التالي، حدثت تطورات متسارعة ومفاجئة وانتشر خبر الاتفاق بشأن الحديدة، والتعثر في موضوع المطار، بسبب تراجع الحوثي وميله إلى التشدد بعد أن نال في الحديدة ما لم يكن في حسبانه، ثم اشتغلت الكاميرات وشوهد الأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية البريطانية في الجلسة الختامية.

هذا الحضور اللافت للأمين العام، لم يحصل في مباحثات واتفاقيات عدة تمت بخصوص الأزمة السورية، هل هي أولوية للمشكلة اليمنية، أم أنها تعبير عن دعم لأحد طرفي النزاع؟ السؤال مطروح للتفكير وليس من أجل تقديم أجوبة مباشرة، لكن من المهم قراءة الاتفاق في ضوء ما يجري على الأرض، وقبل ذلك يتعين التوقف عند اللغة التي استخدمت في أجواء الاحتفال بالتوصل إلى اتفاق، هناك يستوقفنا الإهمال للمرجعيات الثلاث التي طالما قيل إنها تشكل أساساً لأي تسوية محتملة، وكان مثار ملاحظة من وقت طويل أن الرعاة الدوليين والأمم المتحدة كفوا عن الإشارة إلى قرار مجلس الأمن 2216، وإلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الذي جرى برعاية أممية، ثم من هذا ومن أجواء المفاوضات وصيغ الأوراق المقدمة من المبعوث جريفيث، اتخذ الحوثيون موقعهم طرفاً يتكافأ مع الحكومة الشرعية ولم تعد صفة الانقلاب تخلع عليهم.

في قراءة الاتفاق نتوقف عند ملف الحديدة وحدها، لأن التفاهمات حول تعز بلا قيمة، ولأن ملف الأسرى ينطوي على دعاية أكثر مما يمس قضية، بالرغم من أهميتها؛ إذ فيه تجرى دائماً مبادلات بوساطة شيوخ قبائل من غير علم الأمم المتحدة ودون حضور الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر، هنا بالتحديد علينا أن نتذكر أن ملف الحديدة المعقد من الناحية السياسية كان سهلاً من الناحية العسكرية عند النظر إليه من زاوية مخطط الحكومة في الصراع، فقد استطاعت القوات في ظرف وجيز أن تضع أقدامها في مطار المدينة وفي بعض شوارعها الرئيسية وأحيائها المهمة حتى وقفت على مقربة من الميناء بمسافة لا تبعد كثيراً عن الكيلومترين، واستطاعت القوات أن تطبق حصاراً محكماً على المدينة من طرفيها الجنوبي والشرقي.

وحتى بدء المشاورات الأخيرة، ظلت الحكومة تؤكد أن الحديدة وميناءها في متناولها في أي وقت إذا عاند الحوثي ولم يسلم بالرضا.

جوهر ما تضمنه الاتفاق حول الحديدة وقف فوري لإطلاق النار في المحافظة وموانئها الثلاثة، وإعادة انتشار مشترك للقوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى (كلها في نطاق المحافظة)، إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ، وبحسب ما تم تسريبه، فإن القوات الحكومية ستتخذ مواقع لها جنوب خط الطريق الرابط بين الحديدة وصنعاء وعلى الشمال منه سترابط القوات الموالية للحوثيين، الأمر الجوهري الثالث هو إسناد إدارة الموانئ الثلاثة للأمم المتحدة.

إلا أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل ينفذ الاتفاق ولا يتجدد القتال في الحديدة وفي محيطها؟
أغلب الظن أن هذا الاتفاق سيجد سبيله إلى التنفيذ، بالرغم من صعوبات ومشاكل لا بد أن تنتصب في طريقه، غير أن الظن الأغلب أيضاً أن القتال سوف يتجدد بعد زمن لا نراه بعيداً، والسبب هو تجزئة الحل ذلك المنهج الذي اتخذه جريفيث، وقاومته الحكومة ثم قبلت، سوف تجد الأطراف نفسها منساقة إلى الحديدة بسبب ملفات شائكة تواجهها، فهناك الملف الاقتصادي شديد التعقيد، والطريق إليه وعر في وجود بنك مركزي في عدن وآخر مسخ في صنعاء، وفي ظل سيطرة صنعاء على الإدارة الرئيسية للبنوك التجارية والمؤسسات العامة.

وهناك الإطار السياسي العام الذي يمثل حقل ألغام يصعب السير فيه دون انفجارات ومن غير ضحايا، وقد كان ترتيب هذا الملف محل خلاف قديم يطلب الحوثيون التعجيل به، وتشدد الحكومة على أن تسبقه ترتيبات أمنية وعسكرية تسلم فيها الميليشيات سلاحها الثقيل والمتوسط للدولة. والمقترح الأممي الآن مناقشة هذا الإطار في الجولة القادمة.

إذاً، هناك في مضمار السياسة سوف لا يتفقون على شيء، وفي المسافة الفاصلة بين ما اتفق عليه الآن وموعد الحرب المحتملة، يضخ الحوثي إلى الجبهات من خزان بشري ضخم يحركه البؤس، وكذلك نرى ونقرأ أن هذا المطاف في السويد بداية محل التباس وموضع قلق.

* نقلاً عن صحيفة الخليج