الاندبندنت: بريطانيا متورطة في اليمن بكذبتين: "شرعية هادي وتهريب الأسلحة الإيرانية"

تدين بريطانيا بغضب الحصار الذي يعانيه السوريون داخل وطنهم من خلال "أسلوب التجويع أو الاستسلام"، كما وصفه وزير الخارجية بوريس جونسون.

 

جونسون الذي قال هذا العام "معا يجب أن نوضح بغضنا لأسلوب الأنظمة بالمجاعة أو الاستسلام" - كان يتحدث عن سوريا - ولكن عندما يتعلق الأمر باليمن، حيث الحصار والمجاعة على أشدها بدعم عسكري ودبلوماسي بريطاني، لم يتحدث بهذه الطريقة.

 

وبدلا من ذلك، يكون "القلق العميق" والمكالمات الهاتفية المهذبة هي النمط اليومي السائد وليس البغض، وبالتأكيد ليس التصميم على إنهاء الأزمة.

 

هناك اختلافات هامة بين الأزمات في البلدين، بما في ذلك حجم القتل. ولكن هناك أيضا العديد من أوجه التشابه التي تمثل حقائق غير مريحة للدبلوماسيين البريطانيين.

 

ففي كلتا الحالتين لا تزال هناك حكومة قائمة ذات شرعية محلية قليلة لأن القانون الدولي الذي يجسده مجلس الأمن الدولي يمنحها السيادة ولأن القوى الأجنبية تزودها بوسائل نشر العنف الجماعي والمجاعة ضد سكانها. وفي كلتا الحالتين، بالرغم من أن جرائم الحرب ترتكبها جميع أطراف النزاع بلا شك، فإن تلك التي تقوم بها دولة ذات سيادة هي الأوسع والأكثر فتكا. وفي كلتا الحالتين ترتكب هذه الجرائم تحت راية مكافحة الإرهاب وضد التدخل الأجنبي.

 

ومع ذلك ترفض بريطانيا الاعتراف بأن خنق شمال اليمن هو في الواقع حصار، مناقضة بذلك كبار الناشطين في المجال الإنساني والمنظمات الدولية والأدلة الواضحة للأطفال المرضى الذين نادرا ما تتصدر صورهم عناوين الأخبار الرئيسية.

 

الحصار السعودي يعمل بجعل الاستيراد مستهلكا للوقت وصعبا ومكلفا بحيث لا يستطيع اليمنيون الذين أفقرتهم الحرب أن يأكلوا. ولا تزال واردات الأغذية التجارية والوقود، وهي ضرورة لمولدات المستشفيات، محظورة.

 

بريطانيا متواطئة بكذبتين تمكنان الحصار والحرب التي هي جزء من الحصار؛ الكذبة الأولى أن التحالف يدافع عن نظام، يرأسه عبد ربه منصور هادي الذي تعترف به الأمم المتحدة، ومع ذلك يقبع في قصر بالرياض يصدر بيانات غير فعالة لبلد لا يستمع إليه ولا يعترف به.

 

انتخب هادي الذي تعترف الأمم المتحدة رئيسا لليمن، لمدة عامين في عام 2012 في انتخابات لا جدال فيها. وكان من المفترض أن يرأس عملية التوصل إلى تسوية سياسية جديدة وشاملة، لكنه أفشلها، وأثار الأزمة الحالية.

 

ليس من الواضح أنه مسموح له بمغادرة الرياض، وحتى لو كان كذلك، فإنه بالتأكيد لا يستطيع الدخول إلى بلده بأمان. معظم الجزء الجنوبي، الذي لا تسيطر عليه القوات التي أطاحت به في عام 2015، تسيطر عليه القوات التي تأخذ رواتبها وأوامرها من الإمارات العربية المتحدة، التي شكلت تحالفا ضده مع الانفصاليين المحليين.

 

وعندما تعرقل السلطات السعودية الرحلات الجوية الإنسانية والشحنات إلى شمال اليمن، فإنها تقوم بذلك على أساس السلطة القانونية التي يمنحها مجلس الأمن الدولي لهذا الرجل.

 

بريطانيا ليست واحدة فقط من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بل "المعنية" بملف اليمن، وهذا يعني أنها تتحمل مسؤولية التوصل إلى أي قرار في المستقبل.

 

والكذبة الثانية هي أن حصار التحالف لشمال اليمن محركه في ذلك هو الحاجة لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين، وهذا يتنافى مع رؤية مجموعة الخبراء الأمميين بعدم وجود أدلة كافية تؤكد أي تزويد كبير للأسلحة من إيران للحوثيين، وليس هناك دليل على أن الصاروخ الذي أطلق مؤخرا باتجاه الرياض كان مهربا بواسطة إيران. كما لم يثبت أي دليل على أن إيران أطلقت صاروخا على الرياض. وكان من المرجح استيراد هذه الأسلحة قبل الحرب من كوريا الشمالية في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

 

وقد حال الحصار الكلي الأخير دون رحلات الأمم المتحدة من الوصول إلى البلاد، وهذا دليل واضح أنه لم يكن مدفوعا لمنع تهريب الأسلحة. والهدف الحقيقي هو بسيط: الحصار، الجوع والاستسلام - ثم ليذهب اليمنيين إلى الجحيم.

 

وقد دانت بريطانيا بغضب هذا التكتيك عندما قام به أعداؤنا الراسخون. ولكن عندما يكون حلفاؤنا مسؤولين عن تلك الأعمال نفسها، فإننا لا نقدم سوى "قلق عميق". وهذا يجعل بريطانيا منافقه. وما هو أسوأ، أنها منافقة بدافع الجشع.

 

وبعد ثلاثة أيام من تكثيف المملكة العربية السعودية الحصار المفروض على اليمن في 6 نوفمبر، قدمت الحكومة ضمانا بقيمة 2 مليار دولار لشركة النفط الوطنية السعودية إذا اختارت طرحها العام الأولي في بورصة لندن، وهو نعمة للسماسرة هناك. ومن المرجح أن يكون هذا الضمان الأكبر في التاريخ.

 

وارتفعت قيمة صادرات المملكة المتحدة من الأسلحة إلى السعودية بنسبة 500 في المائة خلال السنتين الأوليين من الحرب إلى أكثر من 4.6 مليار جنيه إسترليني. وقال وزير الدفاع السابق مايكل فالون - الذي استقال بسبب مزاعم التحرش الجنسي - أمام مجلس العموم الشهر الماضي أن "انتقادات المملكة العربية السعودية في هذا البرلمان بشأن مبيعات الأسلحة غير مفيدة". لذلك ليس هناك شك في أن الاعتبارات التجارية تؤثر على ما تريد الحكومة أن تقوله وتفعله عندما يتعلق الأمر باليمن.


وطالما أن اقتصاد المملكة المتحدة يعتمد بشكل ضيق جدا على الخدمات المالية، وتصدير الأسلحة، فإن سياستنا ستكون عرضة لهذا النوع من الرشوة. فالاستثمار الضخم لتنويع اقتصادنا هو وحده الذي يمكن أن يستنزف هذا الضعف بشكل دائم.


والمطلوب في هذه الأثناء، هو الشجاعة. إن رفض رشوة مبيعات الأسلحة ليس سوى جزء من القصة.

 

في سوريا، تمول بريطانيا والاتحاد الأوروبي الصحفيين والمجتمع المدني، من بين أمور أخرى، لتوثيق الصراع الذي لا يمكن أن تصل إليه وسائل الإعلام الدولية، وغالبا ما تنتج لقطات فيديو قوية تمس الرأي العام. ولكن لا يوجد في اليمن ذلك. وينبغي أن يتغير ذلك فورا: يجب أن تبدأ الصور في الخروج من البلاد على نطاق واسع للتحايل على الحظر السعودي على الصحفيين الدوليين.

 

وتحتاج بريطانيا أيضا إلى القيام بحملة، في القطاعين العام والخاص، من أجل صدور قرار جديد من مجلس الأمن بشأن اليمن. ويجب أن يعترف هذا القرار بأن هادي لم يعد يحمل السلطة الشرعية ولا يحق له ولا الداعمين الأجانب له أن يعيقوا الدخول إلى شمال اليمن.

 

إن الدعوة إلى السلام أو التوصل إلى حل سياسي ليست كافية بينما يوفر المجتمع الدولي ميزة سياسية لجانب واحد، ويوفر الحافز على مواصلة القتال للجانب الآخر في الوقت نفسه، حتى مع استمرار ركود الخطوط الأمامية.

 

وطالما استمر الحصار والقصف تحت غطاء بريطانيا الدبلوماسي، فستبقى هذه الدولة ليست منافقة ولا يهمها إلا نفسها فقط، بل شريك في التجويع البطيء لليمن أيضا.

 

*توم ديل/ صحيفة "الإندبندنت" البريطانية