معهد كاتو: الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن.. قسوة لا تطاق وأهداف واهية

تساعد الولايات المتحدة أحد أكثر الأنظمة الاستبدادية قبحاً في العالم، على قصف وحصار أفقر البلدان وأكثرها عوزا في العالم. ومن المؤلم والمخجل أن يسمع الأمريكيون أن جرائم الحرب هذه ترتكب بدعم أمريكي كبير.

 

شنت المملكة العربية السعودية حربا وعدوانا على اليمن في عام 2015 على أسس أمنية وطنية واهية، ومنذ ذلك الحين تلقت السعودية وحلفاؤها انتقادات حادة من الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان جراء القصف العشوائي، والاستهداف المتعمد في بعض الحالات، للمناطق المدنية. وقد أسقطت القنابل السعودية على المنازل السكنية والأسواق ومخيمات اللاجئين والمدارس والمستشفيات وقاعات العزاء... وعلى الرغم من هذه الأدلة الضخمة والواضحة على المعاناة الإنسانية الشديدة، فقد دعمت الولايات المتحدة الحملة السعودية منذ البداية بتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي والتزود بالوقود والغطاء الدبلوماسي (ناهيك عن مبيعات الأسلحة الضخمة).

 

وحتى الآن، تشير التقديرات المتحفظة إلى أن عدد اليمنيين الذين قتلوا بالقنابل والصواريخ السعودية يزيد على 13500 شخص (بما في ذلك أكثر من 5000 مدني مؤكد). وما جعل الوضع أسوأ من ذلك هو الحصار الفعلي الذي تفرضه المملكة العربية السعودية على موانئ ومنافذ اليمن الجوية والبحرية والبرية، مما يحول دون إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها إلى السكان.

 

واستنفدت محطة الصرف الصحي الرئيسة في العاصمة اليمنية صنعاء من الوقود ولم تستطع استيراد المزيد من الوقود بسبب الحصار، مما ساعد في تفشي الأمراض والأوبئة. وأصيب أكثر من 900 ألف يمني بوباء الكوليرا، وهو مرض يمكن علاجه إذا سمح السعوديون بدخول المساعدات والإمدادات الطبية.

 

لكن هيئة الإذاعة البريطانية أفادت بأن السعوديين منعوا 29 سفينة تضم 300 ألف طن من المواد الغذائية و192 ألف طن من الوقود، إضافة إلى سفينة تابعة للأمم المتحدة تنقل 1300 طن من الإمدادات الصحية والأغذية، من الدخول إلى اليمن.

 

ويواجه 7 ملايين يمني شبح المجاعة، وحوالي 17 مليون يمني في حاجة ماسة إلى الغذاء. ويعاني حوالي 400 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وإذا لم يحصل اليمن على الإغاثة في وقت قريب، فمن المحتمل أن يموت نحو 150 ألفا من هؤلاء الأطفال في غضون بضعة أشهر.

 

وقد رفضت السلطات السعودية مؤخرا دخول صحافيين من شبكة "سي بي اس نيوز" الأمريكية، التي تتطلع الى تسليط الضوء على ما وصفته الأمم المتحدة بـ"كارثة من صنع الإنسان". الرياض لا تريد أن يعرف العالم ما تقوم به من جرائم وحشية ضد الشعب اليمني.

وبدلاً من ذلك وجدت شبكة "سي بي اس نيوز" أن اليمنيين مستعدون لتوثيق الرعب والدمار الذي حل بهم، وقامت بإنتاج برنامج "60 دقيقة" وبثته نهاية الأسبوع الماضي، ويظهر البرنامج مشاهد لا تطاق.

 

وقال ديفيد بيسلي الذي يدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في برنامج "60 دقيقة" إن التحالف الذي تقوده السعودية "يستخدم الغذاء كسلاح في الحرب. وهو أمر مشين".

 

لنكن واضحين: ليس هناك مبرر استراتيجي لتواطؤ الولايات المتحدة في هذه الجرائم البغيضة. ويقول السعوديون إن الحرب ضرورية لسحق المسلحين الحوثيين الذين يزعمون أنهم يتلقون دعما من إيران.

 

وبالمناسبة، كان الدعم الإيراني للحوثيين ضئيلاً حتى في ظل الحملة الجوية السعودية. وعلى أية حال، فإن الحرب نفسها عززت موقف تنظيم القاعدة في اليمن أكثر بكثير من أن تضغط فعلياً ضد النفوذ الإيراني.

 

ولكن حتى لو لم تكن هذه هي الحالة، فلا شيء يمكن أن يبرر هذا العقاب الجماعي الوحشي والمعاناة الإنسانية البغيضة التي يتعرض لها الملايين من الأبرياء. إن وضع مئات الآلاف من الأطفال المعرضين لخطر المجاعة جريمة لا تطاق. ومما يؤسف له أن هذه القضية لا تثير حتى مستوى الغضب الذي يطلقه الرئيس ترامب على الرياضيين المحترفين.

 

وقد تحدث عدد قليل من أعضاء الكونغرس علنا ضد الوحشية في اليمن. وطالب السيناتور كريس ميرفي مرارا بتقليص الدعم العسكري الأمريكي للعمليات السعودية في اليمن، ودعا الرياض إلى رفع الحصار، واتهم الولايات المتحدة بالتواطؤ في جرائم الحرب.

 

كما دان السناتور راند بول بشدة تورط الولايات المتحدة في الجرائم السعودية. وقد انضم إليهم السناتور رو خانا ووالتر جونز ومارك بوكان. والأسبوع الماضي مرر مجلس النواب قرارا غير ملزم يعلن تورط الولايات المتحدة غير المصرح به. وللأسف، فإن السلطة التنفيذية معزولة عن هذه الجهود الضئيلة إلى حد ما للتحقق والتوازن.

 

وكما قال فريق السياسة الخارجية في هذا المعهد منذ البداية، يجب على الولايات المتحدة أن توقف فورا كل الدعم للمملكة العربية السعودية وأن تستخدم نفوذها للسماح لليمن بتلقي الإغاثة التي يحتاجها.

 

إن الطريقة التي تجري بها الحرب ستلقي بظلالها على سمعة أمريكا، وتقوض مزاعم الأمريكيين بدعم حقوق الإنسان. ومن المرجح أن يؤدي تمكين بعض العناصر الأكثر عنفا وأشدها تطرفاً في اليمن إلى زيادة التهديدات للأمن القومي الأمريكي.

 

- معهد "كاتو": معهد أبحاث سياسيات ليبرالي أمريكي. يحتل كاتو الترتيب 16 بين أفضل معاهد دراسات سياسات في العالم والترتيب 8 بين أفضل معاهد أبحاث سياسات في الولايات المتحدة.

 

* جون غلاسر: مدير دراسات السياسة الخارجية في معهد "كاتو" الأمريكي