تقارير دولية: لايزالون غارقين في مستنقع اليمن.. فلماذا يخاطر السعوديون بحريق جديد في لبنان؟

تصدرت الأزمة السعودية-اللبنانية اهتمامات الصحافة الدولية، والتي تجمع على أن التوتر ينذر بأمرٍ ما، وأن خيار الحرب ليس مستبعداً كلياً. ونشرت "نيويورك تايمز" وواشنطن بوست الأمريكيتين و"ميدل ايست آي" البريطانية تحليلات حاولت خلالها استقراء الأزمة وإلى أين ستذهب!.

"خبر للأنباء" تعيد نشرها والبداية من نيويورك تايمز:

تسببت الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من العاصمة السعودية الرياض في 4 نوفمبر في مزيد من توتر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بطبيعتها.

فبعد خطاب متلعثم للحريري الذي يقول معارضو السعودية إنه لا يتصرف بحرية صعدت السعودية من مواقفها فاتهمت حزب الله بالتآمر ضد المملكة، وطلبت من مواطنيها مغادرة لبنان، وهنا بدأت الأجواء تتوتر وبدأ الحديث عن الحرب يتصاعد أيضاً.

إن لبنان ذلك البلد الهادئ الذي تجنب صراعات الشرق الأوسط عقب "الربيع العربي" عام 2011 أصبح هدوؤه محل تهديد الآن في ظل توجيه إدارة ترامب والسعودية وحلفائها العرب أنظارهم تجاه حزب الله وراعيته إيران.

السؤال: لماذا يخاطر قادة السعودية بحريق جديد في لبنان؟ إنهم يرون استهداف حزب الله، أحد أكثر حلفاء إيران فعالية، سبيلاً لإيجاد قضية مشتركة لهم مع واشنطن. فدوماً ما يشير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دعم إيران لحزب الله ومجموعات أخرى تعتبرها واشنطن تنظيمات إرهابية.

وتمددت السعودية أكثر من اللازم وأُرهقت. فحربها في اليمن لا تزال مستمرة، ولا يزال الخلاف الدبلوماسي مع قطر في طريق مسدود أيضاً. وإن كان القادة السعوديون يعتقدون أن باستطاعتهم إحراز نصر سهل في لبنان ضد حزب الله، فإن ذلك سيصبح سوء تقدير آخر يزيد تعقيد اللحظة الخطيرة القابلة للاشتعال في الشرق الأوسط.

نيويورك تايمز: السعودية تمددت أكثر من اللازم وأُرهقت.. حربها في اليمن لا تزال بدون أفق، ولا يزال الخلاف الدبلوماسي مع قطر في طريق مسدود، وإذا كان قادتها يعتقدون أن باستطاعتهم إحراز نصر سهل في لبنان فهذا أسوأ تقدير آخر

وينتهج حاكم السعودية الجديد، الملك سلمان، ونجله ووريثه المعين، ولي العهد محمد بن سلمان، سياسةً خارجية أكثر عدوانية من الحكام السعوديين السابقين من بينها الحرب الدامية في اليمن، والتي تتواصل للعام الثالث دون أفق لنهايتها. وقد شجعهم على ذلك دعم ترامب للمملكة في صراعها مع إيران. والآن بعد أن انتصر حليف إيران، الأسد، تقريباً في الحرب بسوريا، تتطلع السعودية لاحتواء النفوذ الإيراني في مكان آخر. وتبدو لبنان هدفاً مغرياً.

التوتر الذي ظهر بوضوح في المنطقة خلال الأسبوع الماضي سبقه بحسب محللين ومسؤولين في المنطقة شعور بقلق متزايد تجاه ما بدا لهم أنها تركيبة متقلبة: زعيم سعودي شاب ومندفع يصاعِد من حدة التهديدات بصد النفوذ الإيراني المتصاعد، وإدارة ترامب المندفعة بنفس الدرجة تقريباً والتي تشير لاتفاقها الكبير مع السياسات السعودية.

لا أحد يتوقع من السعودية، الغارقة بدورها في حرب مع اليمن، أن تبدأ حرباً أخرى بنفسها. لكن إسرائيل، التي خاضت حرباً مع حزب الله عام 2006، عبرت عن مخاوف متصاعدة تجاه العدد المتزايد من ترسانات الأسلحة التابعة لحزب الله على حدودها الشمالية.

ويوم الجمعة، 10 نوفمبر، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله إن السعودية قد طلبت من إسرائيل مهاجمة لبنان بعدما قامت عملياً باختطاف سعد الحريري.
ولم يقدم نصر الله دليلاً على مزاعمه، لكن محللين غربيين وإقليميين قالوا ذلك أيضاً، نظراً لكل الأحداث المحيرة وغير المتوقعة وأطرافها التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، فإن هذا سيناريو لا يمكن استبعاده كلياً.

ومع ذلك، فإن مسؤولين إسرائيليين كانوا يتنبأون علناً بخوض حرب أخرى مع حزب الله كذلك أيضاً تعهدوا أن كل ما يمكنهم فعله هو تأجيلها.

وقال أوفير زالزبرغ، وهو محلل لدى مجموعة الأزمات الدولية ومقيم بالقدس: "هناك في المنطقة الآن من يريد أن تدخل إسرائيل حرباً مع حزب الله وتخوض حرباً للسعودية حتى آخر جندي إسرائيلي. لا مصلحة في هذا لإسرائيل".

لكن يخشى الكثير من الإسرائيليين أن التصرفات العدائية من جانب ولي العهد السعودي قد تجر إسرائيل إلى حرب لا تريد خوضها.

وقال دانييل شابيرو، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل سابقاً، إن إسرائيل والسعودية تسعيان لنفس الهدف، لكن بمستويين شديدي التفاوت من السرعة والمهارة.

وقال شابيرو في مقابلةٍ صحفية: "لا أعلم ما إن كانت الدولتان تنظمان الأمر بينهما تكتيكياً". لكنه أضاف أن الأمير محمد بن سلمان "يبدو نافد الصبر لإشعال مواجهة فعلية".

ولا توجد علامات على الاستعداد لحرب في إسرائيل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مهندسي الحرب في إسرائيل يرون أن الحرب المقبلة مع حزب الله قد تكون كارثية، وخاصة إن استمرت لأكثر من بضعة أيام.

ولا يبدو أن قضية اختفاء رئيس الوزراء اللبناني تنتهي عند هذا الحد إذ طالب ميشيل عون الرئيس اللبناني السبت من السعودية توضيح الأسباب التي حالت دون عودة الحريري إلى بيروت، معتبراً أن وضع الحريري في السعودية غامض ومبهم.

وقال عون "إن لبنان لا يقبل أن يكون رئيس وزرائه في وضع يتناقض مع الاتفاقيات الدولية".

وأضاف: "أي شي قاله أو ربما يقوله الحريري لا يعكس الحقيقة بسبب الغموض المحيط بوضعه".

وذكر مسؤولون لبنانيون كبار وسياسي مقرب من الحريري، أن السلطات اللبنانية تعتقد أن الحريري محتجز في السعودية التي أعلن منها استقالته الأسبوع الماضي.

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تفاصيل عما جرى لرئيس الوزراء سعد الحريري قبل استقالته المفاجئة، مشيرة إلى ما اعتبرته هدفاً سعودياً تسعى وراءه المملكة من خروج الحريري من رئاسة الحكومة.

وفي مقال للكاتب ديفيد أنغاتيوس نشرته الصحيفة الجمعة قال إن الحريري "بات معتقلاً من قبل السلطات السعودية، فيما يمكن وصفه تحت إقامة جبرية بمنزله بالرياض حسب وصف مصادر لبنانية".

واشنطن بوست: احتجاز الحريري يعطي أدلة جديدة ومملة للأسلوب الذي يتبعه بن سلمان لتعزيز سلطته بتحريك مشاعر معادية لإيران في الداخل والخارج

وأشار الكاتب إلى مصدر مطلع في بيروت ذكر له تفاصيل وصفها بـ "المذهلة"، حول الاحتجاز القسري من السعودية للحريري، معتبراً أن ذلك يعطي أدلة "جديدة ومهمة للأسلوب الذي يتبعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتعزيز سلطته بتحريك مشاعر معادية لإيران في الداخل والخارج".

رويترز:

قالت وزارة الخارجية الفرنسية، الجمعة 10 نوفمبر إنها تريد أن يكون رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري حراً في تحركاته وقادراً بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان.

وقال ألكسندر جورجيني، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية: "سفيرنا في السعودية زار سعد الحريري في منزله لدى عودته من جولة قام بها إلى الإمارات والتي أشار إليها وزير الخارجية جان إيف لو دوريان".

وأضاف: "كما قال الوزير، نتمنى أن يحصل سعد الحريري على كامل حريته في التحرك ويكون قادراً بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان".

وحذر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الدول والجماعات من استخدام لبنان أداة لشن حرب أخرى أكبر بالوكالة في الشرق الأوسط، قائلاً إن الولايات المتحدة تؤيد بقوة استقلال لبنان.

وقال تيلرسون في بيان نشرته وزارة الخارجية الأمريكية، الجمعة: "لا يوجد مكان أو دور شرعي في لبنان لأي قوات أجنبية أو فصائل أو عناصر مسلحة غير قوات الأمن الشرعية في الدولة اللبنانية".

تحالفا سعوديا إسرائيليا يقرع طبول الحرب في المنطقة

ووفق ما نشرته صحيفة "ميدل ايست آي" البريطانية فإن تحالف نتنياهو الجديد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيوفر ضربة عسكرية يحتاجها (نتنياهو) لتشكيل سلسلة ناجحة من الهجمات على أعداءه في المنطقة.

وترى الصحيفة البريطانية أن درجة حرارة الحرب في الشرق الأوسط وصلت إلى مستوى الحمى خلال الـ24 ساعة الماضية، حيث أثارت السعودية أزمة داخلية وخارجية تتيح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحقيق رؤيته الطموحة للدولة السعودية.

فعلى الصعيد الداخلي، أنشأ الملك سلمان فجأة لجنة لمكافحة الفساد، وأمر خلال أربع ساعات باعتقال عدد من كبار أمراء المملكة، من بينهم أربعة وزراء على الأقل وابن ملك سابق، بالإضافة إلى الاسم الأكثر شهرة في القائمة، وأحد أغنى الرجال في العالم، الوليد بن طلال.

وعلى الصعيد الخارجي، فإن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري دفع إلى الاستقالة من الرياض، وإلا لماذا يستقيل رئيس وزراء دولة ما في عاصمة دولة أجنبية؟.

وتشير التقارير عن احتمالية أن يكون بيان الاستقالة الذي تلاه الحريري "قد كتب له وتلاه تحت التهديد". وبالنظر إلى التكتيكات التي اتبعها ابن سلمان لتأمين وصوله لولاية العهد، وما أعقب ذلك من اعتقال عشرات من الشخصيات البارزة في السعودية، ومن غير المستبعد أن يكون قد استدعى الحريري وطلب منه الاستقالة.

والآن هناك حلف جديد بين ابن سلمان ونتنياهو والظروف التي أدت لذلك، يبدو أن بن سلمان بعد خسارته الكبيرة في اليمن وسوريا، على استعداد لمحاولة ثالثة، وهذه المرة، بتحويل لبنان إلى ملعب للسياسة. ويبدو أنه حريص على تصعيد الصراع مع إيران. ويبدو أنه مثل حليفه الجديد، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستعد لاستغلال العداء مع عدو أجنبي لتعزيز مكانته داخل المملكة.

وتحول لبنان إلى لعبة كرة قدم سياسية في ظل وجود عشرات الأعداء الأجانب، وهو من سوء حظ الحريري، كما حصل مع والده من قبل الذي مورست عليه الضغوط، ولكن هذه المرة في حالة سعد الحريري من قبل السعوديين وليس السوريين.

ميدل إيست آي: تحالف نتنياهو الجديد مع بن سلمان يوفر ضربة عسكرية يحتاجها "نتنياهو" لتشكيل سلسلة ناجحة من الهجمات على أعدائه في المنطقة

وأرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية الاثنين رسالة عاجلة، إلى جميع الدبلوماسيين تطالبهم بموقف مؤيد للسعودية بشأن استقالة الحريري، وتطالبهم بدعم تحركات السعودية. وهذا يدل على أن إسرائيل والسعودية تطوران علاقتهما الخفية، ويمكن أن تشكل هاتان الدولتان، إلى جانب قوتهما العسكرية وثرواتهما النفطية معاً، تحالفاً قابلاً للاشتعال في المنطقة.

وفق الصحيفة البريطانية "ميدل ايست آي" يبدو أن بن سلمان قد تعلم درساً سياسياً حاسماً من حليفته الإسرائيلية: فأنت بحاجة إلى عدو أجنبي من أجل غرس الخوف داخل دائرة انتخابية محلية، ويجب بناء هذا العدو وتحويله لقوة مشؤومة للشر في الكون.

وهذا أحد الأسباب التي دفعت بن سلمان للتدخل في الحرب على اليمن. وعلى الرغم من المجازر السعودية التي تسببت في القتل والمجاعة الجماعية والوباء، تمكن بن سلمان من التذرع بالانشقاقات الإسلامية من أجل رسم إيران بأنها "المعتدي" وتمثل تهديداً للمصالح السعودية. وفي الآونة الأخيرة، أعلن بن سلمان أن جيرانه في قطر غير مرغوب فيهم لعدم انحيازهم بما فيه الكفاية للسعوديين ضد إيران. فإما أن تكون مع بن سلمان أو ضده، ليس هناك أرضية مشتركة.

في لبنان، يبدو أن استراتيجيته تثير أزمة سياسية ومالية. فالسعودية توفر مستوى هائلاً من الدعم المالي والتجاري للبنان. ويبدو أن بن سلمان يعتقد أنه إذا سحب هذا الدعم، فإنه سيجبر اللبنانيين على كبح جماح حزب الله.