مع تزايد حرق الموتى.. إستخدامات جديدة محتملة للمقابر في ألمانيا

عادة ما تكون للمقابر رمزية كبيرة لجدلية الحياة والموت، ورغم التنوع في تصاميمها فقد غدا حرق جثامين الموتى ودفن رمادها أو نثرها في الطبيعة منشرا بين الألمان، ما يعمل على توفير مساحات كبيرة، فكيف سيتم استغلال هذه الأراضي.
 
"أعزَ مكانٍ على هذه الأرض، بالنسبةِ لي، هو فسحةُ العشبِ بجانبِ قبر والدّي"، هكذا تَصفُ احدى الترنيمات الجنائزية الألمانية المستقر الأبدي لأُسرةٍ في القرن التاسع عشر.
 
حاليا وفي خضم الحياة المعاصرة، يميلُ الناس لان يكونوا أكثر تنقلاً، وغالباً ما تعيش الأسرُ بعيداً عن بعضها، مما يجعلُ الأمرَ صعباً إعتماد مقبرة عائلية موحدة.
 
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدفنَ بالطريقة التقليدية وصيانةَ القبرِ لسنواتٍ طويلةٍ من الأمور المكلفة في ألمانيا.
 
ونتيجةً لذلك، فإن أكثر من نصف الألمان في هذه الأيام يختارون حرقَ جثثِ الموتى ودفنَ الرماد في جرار خشبية، أو من مواد طبيعية.
 
بدائل أخرى
 
في العديدِ من دول الاتحادِ الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة، يمكنُ للأُسرِ أن تصطحب معها إلى المنزل رماد أحبائهم. وبالرغم من أن العديد من الألمان يفضلون أيضا هذا الخيار، إلا أن تطبيقه يعد من الأمور المنوعة بحسب القانون.
 
وفقاً لقانون الدفن الألماني، يجبُ دفنُ البقايا في مقبرةٍ أو في منطقةٍ مصممةٍ خصيصاً لذلك. وتوفر العديد من مكاتب الجنائز خيار الدفن في الطبيعة، إلا أن هذه الطريقة بالغالب تطبق في بلدان أخرى خارج ألمانيا تسمح بهذا الأمر.
 
في ألمانيا ودول أوروبية أخرى يمكن دفن البقايا المحروقة والموضوعة بجرار صغيرة في الغابات، أو بالإمكان أيضاً نثرها في البحر. ما يعد من الأمور الشائعة، بالإضافة لذلك هناك طريقة أخرى تتمثل بنثر الرماد في بساتين الفاكهة المتنوعة، وهو ما توفره مقبرة FriedWald (أو بالعربية: غابة السلام) والتي تقع على تخوم برلين، التي تحتوي على ما يسمى "مقابر الأشجار".
صورة تمثل ظاهرة حرق نعوش الموتى
صورة تمثل ظاهرة حرق نعوش الموتى
أما في سويسرا فمن المسموح به أيضا نثر الرماد في المراعي الجبلية أو دفنه فيها، كما تسمح القوانين أيضا بدفنه بين المنحدرات الصخرية أو رميه على ضفاف الأنهر.
 
هل ستُهجر المقابر؟
 
في هذا السياق تقول يوديت كونسغن من جمعية المقابر الألمانية إن "نحو ثلث المقابر في ألمانيا لن تستمر في شكلها الحالي خلال الخمس أو العشر سنوات القادمة"، فالجرار التي تحتوي على رماد الموتى، تحتاج فقط إلى ما يقارب عُشر المساحةِ المطلوبةِ فقط مقارنة بحجم التابوت. ونتيجةً لذلك، فإن ذلك سيوفر مساحات إضافية في معظم المقابر.
 
وتضيف كونسغن أن أصحاب مكاتب الدفن يعانون من تراجع الأرباح على الرغم من الارتفاع الحاد في رسوم الدفن، مشيرة إلى أنه لا يُسمح للبلديات المحلية بتقديم الدعم للمقابر من قنوات دعم إضافية. وفي ذات الوقت لا تزالُ التكاليف الثابتة للمقابر مرتفعة.
 
من جهته يقول ميشائيل ألبريشت من جمعية مدراء المقابرالألمانية بالرغم من غياب الإحصاءات على المستوى الاتحادي في ألمانيا، إلا أنه لم يسبق له أن سمع عن مقبرة أُجبرت على إغلاق أبوابها في السنوات الماضية.
 
ويرى ألبريشت أنه وحتى حلول عام 2040 من المتوقع أن يكون هناك حوالي 1.2 مليون وفاة سنوياً في ألمانيا.مضيفاً أنه "ومع مرور فترات تتراوح بين 15 و 30 عاماً، فإن تغييراً بطيءً سيطرأ على طبيعة المقابر على اي حال".
 
أكثر اخضراراً وأكثر مرونةً
 
من جانبه يحث أستاذ القانون في جامعة بون الألمانية تاده شبرانغر الجهات المسؤولة عن المقابر في ألمانيا أن تكون أكثر مرونة في قوانيها المتعلقة بالدفن، ويوضح أن هناك عددا كبيرا من المحظورات تعاني منه عائلات الموتى.
 
ويقول على سبيل المثال "زرع نباتات معينة عند القبور أو وضع ألعاب على قبور الأطفال" سيضفي مرونة أكثر على هذه القوانين.
 
هناك أيضا بعض المقابر التي لا تسمح بإجراء مراسم الدفن خلال يوم السبت، على الرغم من أن أقارب الفقيد قد يسكنون بعيداً ويحتاجون إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة للسفر من أجل ترتيب أمور الدفن.
 
ويحذرشبرانغر: "إذا لم تبد هذه الجهات مرونة كافية، فإنها ستتسبب بضرر لمصالحها".
مقبرة غابة السلام والتي تقع على تخوم برلين التي تحتوي على ما يسمى مقابر الأشجار
مقبرة غابة السلام والتي تقع على تخوم برلين التي تحتوي على ما يسمى مقابر الأشجار
بعض البلدات في ألمانيا تحاول إبداء مرونة أكبر عندما يتعلق الأمر بطريقة دفن توصف بأنها "صديقة للبيئة". حيث تقوم بلدة بلانيغ في ولاية بافاريا، الواقعة جنوب غرب ميونخ، ببحث اقتراحات أحد الخبراء بزرع بستان فاكهة قرب المقبرة لتصبح بأشجارها ومساحاتها أكثر خضرة.
 
هناك شعور بالقلق المتزايد من قبل الناس حول أسلوب دفن متوافق مع البيئة، و لذلك يختار كثيرون الجرار المصنوعة من مواد قابلة للتحلل بسهولة، مثل اللباد أو الخشب.