رويترز: الوضع في اليمن مروع بسبب الحصار

نشرت وكالة "رويترز" تقريرا مطولا، أكدت فيه ان الحصار البحري الذي يفرضه التحالف بقيادة السعودية تسبب في خسائر إنسانية فادحة للمدنيين اليمنيين. وتسبب في عزل اليمن عن العالم، حيث يعيش ربع السكان جوعا، وفقا للأمم المتحدة.

ووفقا لسجلات الموانئ، وتقرير سري للأمم المتحدة ومقابلات مع الوكالات الإنسانية وخطوط النقل البحري، منع التحالف بقيادة السعودية السفن التي تحمل الإمدادات الأساسية من دخول اليمن، حتى في الحالات التي لا تحمل فيها السفن أسلحة.

ولفتت الوكالة الى ان سفينة "كوتا نزار" وهى سفينة سنغافورية تضم 636 حاوية من الصلب والورق والادوية وغيرها من السلع، كانت في طريقها الى الحديدة اكبر ميناء للشحن في اليمن، لكن سفن التحالف الحربية منعتها من الوصول الى الميناء، بالاضافة الى العشرات من السفن الأخرى التي تحمل الغذاء والإمدادات إلى اليمن على مدى الأشهر الثلاثين الماضية.

وقد فشل نظام الأمم المتحدة الذي أنشئ في مايو 2016 لتسهيل ايصال البضائع التجارية من خلال الحصار لضمان حصول الشعب اليمني على الإمدادات التي يحتاجونها. وكانت النتيجة هي العزل الفعلي لليمن البالغ عدد سكانه 28 مليون نسمة تقول الأمم المتحدة إن ربعهم يعانون من الجوع. وبلغ عدد القتلى في الحرب عشرة آلاف قتيل.

وعمدت وكالات الإغاثة إلى زيادة كميات الغذاء التي تنقلها إلى بعض مناطق اليمن هذا العام. غير أن اليمن يستورد أكثر من 85 في المئة من احتياجاته من الغذاء والدواء وسجلت الشحنات التجارية تراجعا شديدا.

وتوضح بيانات الموانئ التي جمعها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ورويترز أن 21 سفينة فقط من سفن الحاويات أبحرت إلى ميناء الحديدة. وللمقارنة فقد قامت 54 سفينة بتوصيل مثلي كمية البضائع التي نقلتها تلك السفن في الفترة المقابلة من العام الماضي.

وقبل نشوب الحرب وصلت إلى الميناء 129 سفينة حاويات في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2014.

وأكد التقرير بأنه لم تصل أية شحنة تجارية من الأدوية إلى طريق الحديدة منذ أن دمرت الطائرات السعودية رافعات الميناء في أغسطس 2015، وفقا لما ذكره مدير الميناء.

وفي حالات السفينة "كوتا نزار" الى جانب 12 سفينة أخرى فحصتها وكالة رويترز بالتفصيل، أدى الحصار الذي تقوده السعودية إلى منع أو تأخير السفن التي تحمل المساعدات الغذائية والطبية والسلع التجارية قبل وصولها إلى الموانئ اليمنية، على الرغم من أن الأمم المتحدة قد قامت بفحص الشحنات ولم يكن هناك أي أسلحة على متنها. وكانت سبع من تلك السفن تحمل أدوية ومواد غذائية بالإضافة إلى إمدادات أخرى.

ووقعت سفن المساعدات في شباك الحصار. وكانت احدى السفن السبع تحمل المضادات الحيوية والمستلزمات الجراحية وادوية الكوليرا والملاريا لـ300 الف شخص. وقد احتجزت الشحنة لمدة ثلاثة أشهر، حيث تضرر منها ما قيمته 20 الف دولار أو انتهت صلاحيتها، وفقا لما ذكرته منظمة "انقذوا الاطفال" التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها.

وبحسب التقرير، في يوليو، منع التحالف دخول أربع ناقلات نفط تحمل 71 ألف طن من الوقود، أي ما يعادل 10 في المائة من احتياجات الوقود الشهرية لليمن. وبعد خمسة اسابيع سمح اثنان منها بالدخول، وفقا لسجلات ميناء الحديدة.

وفي تقرير نشر الشهر الماضي، قالت هيومن رايتس ووتش إن التحالف الذي تقوده السعودية "حول بشكل متعسف أو أخر" سبع ناقلات وقود كانت متجهة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحلفائهم بين مايو وسبتمبر من هذا العام. وفي حالة واحدة، تم احتجاز سفينة في ميناء سعودي منذ أكثر من خمسة أشهر.

ونتيجة للحصار، لم تكن هناك رحلات جوية تجارية إلى العاصمة صنعاء، منذ الصيف الماضي. وأوقفت اثنتان من أكبر خطوط شحن الحاويات في العالم - شركة MSC ومقرها سويسرا وشركة PIL ومقرها سنغافورة - من الإبحار إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيين وحفائهم في أوائل عام 2017، بسبب التأخير والمخاطر التي تنطوي عليها.

وفي تقرير سري قدم الى مجلس الامن الدولى في ابريل الماضى، قام محققو الامم المتحدة بتفصيل العديد من حالات التأخير التي واجهتها السفن في مواجهة الحصار. وفي إحدى الحالات انتظرت سفن شركة ملاحية 396 يوما للرسو في الحديدة ما أدى إلى تراكم مصروفات وقود وتبريد بلغت 5.5 مليون دولار. وقال تقرير الأمم المتحدة إن التحالف يستغرق في المتوسط عشرة أيام لمنح الإذن للسفن بالرسو في الحديدة حتى في الحالات التي لا يتم فيها تأخير السفن.

وقال المكتب في بيان لرويترز إن نظامه المسمى آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش من أجل اليمن أصدر موافقات لسفن على تسليم ما يقرب من عشرة ملايين طن من الغذاء والوقود والشحنات العامة إلى اليمن خلال الستة عشر شهرا الماضية.

ولم يقدم المكتب أي دليل يدعم هذا الرقم. كما أنه لم يحدد عدد السفن التي وافق عليها ومنعت فيما بعد أو تأخرت أو غير التحالف بقيادة السعودية مسارها. كما قال المكتب إن ما يجري في المياه الدولية يتجاوز صلاحياته.

وفي مراسلات خاصة مع الدول الاعضاء في الامم المتحدة ووكالات المساعدات هذا العام اعرب مسؤولو آلية الامم المتحدة للتحقق والتفتيش عن شعورهم بالاحباط ازاء قيام التحالف الذي تقوده السعودية بوقف او تأخير السفن التي قاموا بفحصها. وقال تقرير داخلي من الامم المتحدة في مارس ان التحالف اوقف ست سفن وتم السماح لها بعد اجراء اتصالات وجهود مكثفة.

ومن الصعب تقدير الآثار التراكمية التجارية والانسانية للحصار اليمني على وجه الدقة. ولا يمكن لجماعات الإغاثة والصحفيين الوصول إلى مناطق كثيرة من البلاد.

ومع ذلك فإن الأمم المتحدة تحذر منذ أكثر من عامين من أن اليمن أصبح على شفا المجاعة. ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن عدد المحتاجين للمساعدات ارتفع إلى 20 مليونا هذا العام أي أكثر من ثلثي سكان البلاد بالمقارنة مع 17 مليونا في العام 2016.

وقد دعمت الدول الغربية، التدخل الذي تقوده السعودية من خلال المساعدة في تنسيق الضربات الجوية وتزويد الطائرات الحربية السعودية بالوقود.

وبدأ البعض في الولايات المتحدة ينتقدون الحصار. وقال السناتور الجمهوري تود يانج عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن السعودية ربما كانت تنتهك القوانين الانسانية لإنها أعاقت تدفق السلع الضرورية إلى اليمن.

وقال في إشارة إلى الدول التسع التي يتألف منها التحالف تحت قيادة السعودية "أنا لا أشير إلى أن السعوديين يتحملون كل المسؤولية عن ذلك. لكنهم يتحملون قسما كبيرا منها".

* تحذيرات مبكرة

ازداد قلق جماعات الإغاثة الدولية من آثار الحصار السعودي في أوائل عام 2015 في أعقاب دخول التحالف الحرب في اليمن. ويضم التحالف في عضويته الإمارات ومصر والبحرين والكويت والأردن والمغرب والسودان والسنغال.

وانخفضت شحنات الحاويات إلى ميناء الحديدة في 2015 بنسبة 40 في المئة تقريبا عن مستواها قبل الحرب.

وفي صيف ذلك العام أصدرت الأمم المتحدة تحذيرها الأول من بين تحذيرات عديدة من احتمال تطور الأمر إلى مجاعة في اليمن. وخلف الكواليس حاولت الأمم المتحدة إقناع الرياض وحلفائها بالسماح لها بتفتيش السفن.

وفي أوائل سبتمبر ايلول 2015 قالت الأمم المتحدة إنها توصلت إلى اتفاق مع التحالف لإقامة نظام للتفتيش يسهل مرور السلع إلى اليمن. وقالت الأمم المتحدة إن مقر هذا النظام أو آلية التحقق والتفتيش سيكون في جيبوتي.

واستغرق الأمر ثمانية شهور أخرى لتدبير ثمانية ملايين دولار لكي تبدأ الآلية عملها.

وعندما بدأ عمل الآلية في مايو آيار عام 2016 كان هدفها المعلن "إعادة الثقة في أوساط النقل البحري" أنه لن يكون هناك تأخيرات غير متوقعة ومكلفة للشحنات المتجهة إلى اليمن.

ومنذ ذلك الحين أصبح على كل السفن التجارية المبحرة إلى الموانئ الخاضغة لسيطرة الحوثيين وحلفائهم في اليمن التقدم بطلب إلى الأمم المتحدة يتضمن بيانات شحناتها وقوائم بآخر الموانئ التي زارتها.

وتراجع الأمم المتحدة الطلبات وتتحقق مما إذا كانت السفن قد زارت موانئ مشبوهة أو أغلقت أجهزة البث التي تحدد مواقعها لأكثر من بضع ساعات وهي حيلة شائعة بين المهربين الذين يريدون تجنب اقتفاء أثرهم. وبين الحين والآخر يتولى متعاقدون يعملون لحساب الآلية تفتيش السفن.

ولا تتحقق الآلية من سفن المساعدات أو تفتشها إلا إذا كانت المساعدات مختلطة بسلع تجارية. أما السفن المستأجرة بالكامل لوكالات الإغاثة فتمر بعملية مختلفة. فهي تحصل على حقوق الإبحار مباشرة من الرياض.

ومع ذلك فالظروف تحتم أن تنقل نسبة كبيرة من المساعدات إلى اليمن على ظهر سفن تجارية.

وفي الأشهر الستة عشر الأخيرة بحثت الآلية 685 طلبا ومنحت سفنا الحق في الإبحار إلى موانئ تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم في 80 في المئة من الحالات. وقالت الأمم المتحدة لرويترز إن تلك السفن قامت بتوصيل ما يقرب من خمسة ملايين طن من المواد الغذائية ومليوني طن من الوقود و2.5 مليون طن من البضائع العامة.

غير أنه حتى بعد صدور موافقات الأمم المتحدة يتعين على كل السفن التجارية الحصول على موافقة من سفينة حربية تخضع لإدارة سعودية ترابط على مسافة 61 كيلومترا غربي ميناء الحديدة.

وقد ثبت صعوبة ذلك. فلأن السفن تقف في المياه الدولية لا يمكن لآلية التحقق والتفتيش سوى التنسيق مع أطراف إقليمية بما في ذلك التحالف لتيسير وصول السفن إلى الموانئ حسبما قالت الأمم المتحدة في بيانها. وأضافت أن باقي الإجراءات ترجع إلى السلطات المحلية في الميناء.

* شكوك

على سبيل المثال حصلت السفينة كوتا نازار على موافقة من الأمم المتحدة للإبحار إلى الحديدة في أواخر ديسمبر كانون الأول الماضي. غير أن ضباطا بحريين من السفينة السعودية أوقفوها وصعدوا على ظهرها.

كان الضباط يشتبهون أن السفينة تحمل أسلحة ايرانية مخبأة في طريقها إلى المقاتلين الحوثيين.

وأمر الضباط السفينة بالعودة إلى جيبوتي حيث كانت محطتها السابقة. وهناك قام طاقم السفينة بتفريغ 62 حاوية اعتبرها التحالف مثيرة للريبة ما سمح للسفينة بالإبحار مرة أخرى إلى الحديدة في يناير كانون الثاني.

ثم أصر التحالف على تفتيش السفينة مرة أخرى. وبعد ثلاثة أيام أمرت الأمم المتحدة السفينة بالإبحار إلى جيزان في السعودية. وفي جيزان قامت السلطات المحلية واثنان من مفتشي الأمم المتحدة بتفريغ كل الحاويات التي حملتها السفينة وفحصها بالأشعة السينية.

وتحفظت السلطات على 27 حاوية ادعت "إن بها شحنة يمكن استخدامها في الصراع العسكري اليمني". وشملت محتوياتها مواسير حديدية وأدوات لحام وقطع غيار دراجات نارية وسلعا أخرى.

وجرى منع شحنات أخرى من الدخول رغم خلوها من أي أسلحة. وفي وقت سابق هذا العام رفض التحالف دخول أربع رافعات تبرعت بها الولايات المتحدة لبرنامج الأغذية العالمي بهدف تعزيز عمليات الإغاثة في ميناء الحديدة. وكانت تلك الرافعات ستحل محل أجزاء من البنية التحتية للميناء التي دمرتها ضربات التحالف في أغسطس 2015.

وفي يناير أرسل برنامج الأغذية العالمي الرافعات في سفينة إلى الحديدة. لكن التحالف بقيادة السعودية ألغى التصريح الذي كان قد أصدره في ذلك الشهر ومنع دخول السفينة. وانتظرت السفينة في البحر لمدة عشرة أيام قبل أن تعود في نهاية المطاف إلى دبي حيث لا تزال الرافعات موجودة.

ويقول برنامج الأغذية العالمي إن التحالف لم يقدم سببا واضحا لإعادة الرافعات.

وواجهت شركة (إم.إس.سي) ثاني أكبر شركة شحن في العالم تحديات أيضا خلال رحلاتها. ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي وتقرير الأمم المتحدة الذي لم ينشر فقد جرى تأخير السفينة هيمانشي التابعة للشركة شهرين خلال صيف 2016 عندما حاولت الإبحار صوب الحديدة. وكانت السفينة تحمل 722 حاوية بضائع بينها 93 حاوية بها أغذية ومواد إغاثة أخرى.

ولا يزال المدنيون يشعرون بآثار الحصار.

وقال علي شوعي (28 عاما) وهو أب لأربعة أبناء إنه هرب من محافظة شمالية عندما لم يستطع إطعام أطفاله. وذكر أن سعر جوال الدقيق وصل إلى المثلين بعد الحصار وإن مخزونات الصيدليات نفدت.

ورحل الأطباء الذين كانوا يعملون في المستشفى القريب بسبب عدم تقاضيهم رواتب لمدة عام. وتوقف تجار الوقود عن إمداد المنطقة بعد أن استهدفتهم ضربات جوية.

وقال شوعي ”لم يعد بمقدور الناس أن يشتروا الطعام. الوضع مروع بالفعل“.