التواصل الاجتماعي- يقرّبنا أم يبعدنا عن بعض؟

يتفق الناس تقريباً على أنّ التواصل الاجتماعي ووسائله يقربنا، فهو الذي أحيى صداقاتنا القديمة، وهو الذي جمعنا بأصدقاء فارقناهم منذ عقود ولم نعد نعرف عنهم شيئا، وهو الذي يحيي في نفوسنا ذكريات أيام جميلة وأيام صعبة مررنا بها.

 

على هاتفك المحمول تصل باستمرار نبضات تُعلمك بورود تغريدات جديدة على حساب تويتر، أو على صفحتك في فيسبوك، أو على صفحتك في واتس آب. واذا شاركت في حساب على يوتيوب سترى عشرات الفيديوهات التي وضعها معارف وأصدقاء وأقارب لك. كل هذا تقريب.. نعم، ولكن في نفس الوقت، فإنّ هذا التقارب المستمر طيلة اليوم وعلى مدار السنة، سوف يلغي الحاجة الى لقاء حقيقي بينك وبين دائرة أقاربك وأصدقائك ومعارفك.

 

وإلى هذه الحقيقة أشارت دراسة نشرت في صحيفة وول ستريت جورنال مؤكدة" أنّ هذا التواصل يجعل الناس ينفقون كثيراً من وقتهم وجهدهم في العمل على المساحات الافتراضية، بما يحرمهم من مزاج وفرصة ووقت المحافظة على تواصل اجتماعي حقيقي". وهذا يعني عمليا أنّ عليك أن تقتطع من وقت تواصلك الاجتماعي المتصل لتصنع فرصة تلتقي فيها بأخيك وأسرته على سبيل المثال. ما نفعله على فيسبوك وعلى تويتر هو نتف من حديث وليس حوار حقيقي، ويمكن لأي شخص أن يرتب ويعزز حديثه بمعلومات من النت ليجعله بمرتبة الكمال، وهو أمر غير ممكن حين تجالس أصدقاءك في مقهى أو نادٍ.

 

فيسبوك هو أحد أكثر وسائل التواصل الاجتماعي انتشاراً ، يتيح لأيّ شخص يعرف الكتابة والقراءة أن يظهر بمظهر المفكر الحكيم العاقل من خلال بوستات مختارة، ولكنه لو التقى بأصدقائه على فيسبوك فسيظهر للجميع مستواه الحقيقي، وقد يكون أصدقاؤه من مستواه وقد تخفوا بدورهم خلف الجدار الأزرق.

 

بوجود الهاتف الذكي في أيدي الجميع تقريباً، تصلهم كل دقيقة تنبيهات بوصول أخبار من كل مكان، وكلها تحرك في عقولهم إحساسا بأنّ شيئا مهما قد حصل في مكان ما ولابد من الاطلاع عليه، وحين يفتح المرء البوست في الساعة الثامنة صباحاً بعد أن سمعه أثناء رقوده في فراشه وتظاهر بإهماله، سيكتشف أن صديقه المقيم في أمريكا، بعث له رابطا يمكن من خلاله أن يشتري سروال جينز من نوع غالٍ بنصف قيمته في بلده!

 

و في هذا السياق يشير خبير عالم السايبر شيري توركل في حديثه لصحيفة ول ستريت جورنال إلى" أننا لا نحصل على تواصل حقيقي، بل على جرعات قصيرة مختارة من التواصل" حسب أمزجة المرسلين.

 

والحقيقة أنّ النبضات والهزات الهاتفية لن تزيدنا تشتتا على ما نحن فيه من قلة تركيز، فقد كشفت دراسة نشرها تقرير الصحيفة أعلاه أنّ تجربة أجريت على 1100 مراهق وبالغ أن أغلب مستخدمي الهواتف الذكية ممن هم تحت سن الخامسة والثلاثين يراجعون هواتفهم مرارا بانتظام على مدار اليوم حتى دون ورود إشارة أو نبضة تعلمهم بوصول نبأ، وهذا بالطبع يشغلهم عن محادثيهم ومن يجالسونهم.

 

جلسات الشباب والمراهقين مع بعضهم، تكشف أنّ أغلبهم منشغلون بمراجعة هواتفهم الذكية أكثر من انشغالهم بجلّاسهم، وهذا دليل قطعي أنّ التواصل الاجتماعي بوسائله الحديثة يهدم أواصر التواصل الاجتماعي الحقيقي وجها لوجه، ولن يمر وقت طويل، حتى تتحول المقاهي والمطاعم والنوادي الى صالات عرض بشاشات عملاقة يمارس فيها الناس هوايات الكترونية مع بعضهم على مدى ساعات، مكتفين بتبادل شارات المجاملة التي تحتويها رموز ايموجي، أو شارات الأصابع التي تشيع بين المراهقين بعلامات الإعجاب والشكر والتواصل المستمر وما الى ذلك.