كواليس صفقات انتقال اللاعبين في عالم كرة القدم

في صيف كل عام، تنتقل مبالغ كبيرة من الأموال من ناد رياضي إلى آخر، في إطار المنافسة المحتدمة بين أبرز أندية كرة القدم في العالم، للفوز بأفضل اللاعبين. في السطور التالية، تحليلٌ موجز يكشف عن تفاصيل وكواليس صفقات بيع وشراء اللاعبين، وكيف تُبرم في عالم الكرة.
 
تشتمل مثل هذه الصفقات على دفع مبالغ هائلة من المال. وفي الآونة الأخيرة، انتقل النجم البرازيلي نيمار من فريق برشلونة الإسباني إلى فريق باريس سان جيرمان الفرنسي مقابل 222 مليون يورو (265 مليون دولار أمريكي)، وهو ما يزيد على ضعف الرقم القياسي السابق الذي سُجل في هذا الصدد، عندما بيع اللاعب الفرنسي بول بوجبا مقابل 105 ملايين يورو (125 مليون دولار)، في صفقة أُبرمت العام الماضي.
 
ولا يوجد سقف على الأموال التي يمكن لنادٍ ما إنفاقها على شراء لاعبين جدد، وهو ما يجعلنا نتساءل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه مثل هذه الصفقات.
 
ماذا تعني انتقالات اللاعبين؟
 
يشكل عالم كرة القدم سوقا عالمية، يتنقل عبرها اللاعبون الكبار والمشاهير باستمرار من هذا النادي إلى ذاك. فلاعبٌ مثل ديفيد بيكهام لعب بقمصان أندية في بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا على مدار مسيرته الكروية.
 
ويوقع اللاعبون المحترفون عقودا مع الأندية لمددٍ محددة قد تصل إلى خمس سنوات. وإذا انتقل لاعبٌ من نادٍ إلى آخر قبل انتهاء مدة عقده، يتعين على ناديه الجديد تعويض النادي القديم، بمبلغٍ من المال يُعرف باسم "رسم انتقال".
 
متى تتم صفقات انتقال اللاعبين؟
 
تجري هذه الصفقات على فترتين سنوياً. وبحسب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، يمكن للأندية شراء لاعبين أجانب خلال هاتين الفترتين، اللتين تُعرفان بـ"نافذتي الانتقالات" أو "موسمي الانتقالات".
نيمار يحمل القميص رقم  Getty Images 10
نيمار يحمل القميص رقم Getty Images 10
الفترة الأطول بينهما هي تلك التي تحل بين الموسم المُنقضي والموسم المقبل، أما الأخرى الأقصر فتحل في وسط الموسم. ولكن يُترك لاتحادات كرة القدم الوطنية تحديد مواعيد بدء وانتهاء هاتين الفترتين. ففي الكثير من الدول الأوروبية، ينتهي موسم الانتقالات الصيفي في 31 أغسطس/ آب. أما في الولايات المتحدة، فينتهي الموسم نفسه في التاسع من الشهر ذاته.
 
هل هذا كل شيء؟
 
كلا. فعلى كلٍ من اللاعب ووكيل أعماله وناديه والمحامين الموكلين عن كل أطراف الصفقة الانخراط في نقاشاتٍ مكثفة من أجل صياغة العقد.
 
ويتضمن ذلك الاتفاق على التفاصيل الخاصة بالرواتب والمكافآت، مثل مكافأة توقيع العقد، والحوافز التي تُمنح للاعبين نظير ولائهم أو بقائهم في النادي. ويخضع اللاعبون المقبلون على التعاقد مع ناد جديد لفحوص طبية للتحقق من لياقتهم البدنية والصحية.
 
وقد تؤثر نتائج هذه الفحوص على قيمة رسوم الانتقال، إذا كشفت النقاب عن وجود إصابات أو مشكلات صحية لم تكن معروفة في السابق.
 
من يحصل على الأموال الخاصة بالصفقات؟
 
في صفقة نيمار لن يحصل اللاعب البرازيلي على الـ 222 مليون يورو المتفق عليها لانتقاله إلى باريس سان جيرمان. فالنادي الفرنسي سيدفع هذا المبلغ إلى برشلونة، للحصول على نيمار. ويعني هذا - من الوجهة التقنية - أن باريس سان جيرمان سدد بذلك الشرط الجزائي المنصوص عليه في عقد نيمار القديم مع برشلونة، وهو الذي كان مُحدداً بـ 222 مليون يورو.
 
وبحسب بعض التقارير، سيتقاسم والد نيمار - وهو وكيل أعماله في الوقت نفسه - وآخرون مبلغ 38 مليون يورو (45 مليون دولار) مقابل تسهيل إتمام الصفقة.
 
أما باريس سان جيرمان فسيتعين عليه دفع راتب نيمار، الذي يقارب 45 مليون يورو (54 مليون دولار) سنوياً قبل خصم الضرائب، على أمل أن يجني أرباحاً مقابل استخدام اسم وصورة النجم البرازيلي.
 
ويمكن أن تشكل مسألة حقوق استخدام اللاعبين في الأغراض الدعائية والإعلانية نقطة شائكة لا يُستهان بها عند التفاوض لإبرام عقود انتقالهم. فبشكلٍ عام، تطلب الأندية الحصول على الحقوق الحصرية لاستخدام صور لاعبيها في مجال الدعاية والإعلان.
 
لكن اللاعبين لا يتحمسون كثيراً للتخلي عن حقوقٍ مثل هذه، قد تُدر عليهم أرباحاً طائلة مقابل ظهورهم في الإعلانات. لذا يتعين على الأطراف كافة التوصل إلى اتفاق يقضي - مثلاً - بأن تُقسّم مثل هذه العائدات مناصفةً بين اللاعب وناديه.
بائع يبيع أوشحة وبوسترات تحمل صورا لمشاهير اللاعبين Getty Images
بائع يبيع أوشحة وبوسترات تحمل صورا لمشاهير اللاعبين Getty Images
وبالنسبة لنيمار، يتسم الأمر بتعقيدٍ أكبر. فقد أعلن برشلونة أنه يعتزم مقاضاة لاعبه السابق بدعوى مخالفته للعقد المبرم بينهما، نظراً إلى أنه كان قد حصل - عندما جدد عقده مع النادي الإسباني العام الماضي - على مبلغٍ من المال اعتُبِر جزءاً من مكافأة تجديدٍ للعقد.
 
ويطالب برشلونة بالحصول على 8.5 مليون يورو (10.1 مليون دولار) كتعويضٍ عما يعتبر أنه لحق به من أضرار، بجانب مطالبته باسترداد حوافز لم يُكشف عن قيمتها، فضلا عن 10 في المئة من هذا المبلغ - غير المُعلن- بمثابة فوائد.
 
من أين تأتي هذه الأموال؟
 
هناك مبالغ ضخمة من المال يتم تداولها في عالم كرة القدم. فوفقاً لدراسة تحليلية أجرتها شركة "ديلويت" للحسابات والاستشارات المالية، بلغت أرباح الـ 20 نادياً الأكثر ثراءً في العالم - وكلها أوروبية بالمناسبة - 7.4 مليار يورو (8.9 مليار دولار) في موسم 2015-2016. وتربع نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي على رأس هذه القائمة بأرباحٍ وصلت إلى 689 مليون يورو.
 
ويأتي الجانب الأكبر من هذه الأرباح، بنسبة تصل إلى 43 في المئة، من مصادر دخل ذات طبيعة تجارية، مثل حقوق الرعاية وبيع سلعٍ تحمل علامات تجارية خاصة بالنادي، أو صور للاعبيه.
 
لذا يمكن توقع طرح الكثير من قمصان فريق باريس سان جيرمان، من تلك التي تحمل رقم واسم نيمار. كما تحصل الأندية على 39 في المئة من أرباحها من بيع حقوق البث التليفزيوني لمبارياتها، بينما لا تتجاوز نسبة إسهام إيرادات بيع بطاقات دخول المباريات 18 في المئة تقريباً.
 
ولا تشمل هذه الأرقام ما تحصل عليه أندية كرة القدم من رسوم انتقالٍ عند بيع لاعبيها، وهو ما يعني أن عمليات البيع إلى أندية أخرى تشكل مصدراً آخر من مصادر دخل هذه الأندية.
 
ألا تنفق أموال طائلة "بحماقة" في عالم كرة القدم؟
 
لم يكن الوضع في هذا الشأن قط على الشاكلة التي بات عليها الآن. فقبل عام 1995، كان الكثير من الأندية الأوروبية مُقيداً بعدد معين من اللاعبين الأجانب الذين يمكن الاستعانة بهم. ولكن في ذلك العام صدر حكمٌ قضائي لصالح لاعب يُدعى جان مارك بوسمان، يمنع وضع أي قيود على عدد اللاعبين الأجانب الذين يمكن الاستعانة بخدماتهم، من جانب أندية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
 
وفتح هذا الحكم أبواب سوق دولية للانتقالات تتسم بتنافسية كبيرة. وهنا بدأت قيمة رسوم الانتقال في الارتفاع، بالتوازي مع تزايد عدد اللاعبين الأجانب الذين يُستعان بهم. وبحلول عام 2016، صار اللاعبون الأجانب يشكلون نحو 70 في المئة من لاعبي فرق الدوري الإنجليزي الممتاز على سبيل المثال.
 
وفي الوقت الحالي، تواصل أندية كرة القدم الكبرى في العالم اكتساب المزيد من الثروات. ومن بين أسباب ذلك، بيعها حقوق البث التليفزيوني لمبارياتها.
 
وفي عام 2016، وقعت الأندية العشرون المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز اتفاقا مع قنوات تليفزيونية، تبيع بموجبه حقوق البث لمدة ثلاثة مواسم مقابل 10.4 مليار جنيه استرليني (13.4 مليار دولار)، في صفقة هي الأعلى على الإطلاق من نوعها في عالم كرة قدم المحترفين.
ميسي Getty Images
ميسي Getty Images
وفي المملكة المتحدة أيضاً، تدفع شبكتا "بي تي" و"سكاي" الآن أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني (12.9 مليون دولار) لفرق الدوري الممتاز في البلاد من أجل بث المباريات جميعها.
 
لكن هذه المقدرة الإضافية على الإنفاق، تُمْتص بفعل رسوم الانتقال الكبيرة التي باتت الأندية تدفعها لشراء لاعبين جدد، وهو ما تجسد في الموسم الماضي، الذي أنفقت فيه أندية العالم مبالغ غير مسبوقة في سوق الانتقالات الدولية. وبحسب أرقام "فيفا"، شهدت هذه السوق في عام 2016 إبرام 14591 صفقة، بلغت قيمتها الإجمالية مستوى قياسياً وصل إلى 4.79 مليار دولار، أي بواقع 328 ألف دولار تقريباً في المتوسط للصفقة الواحدة.
 
هل يهم أيٌ من هذه الأمور؟
 
يرى البعض أن ارتفاع رسوم انتقال اللاعبين وتزايد المبالغ المالية المخصصة لهذه الصفقات يضران بلعبة كرة القدم. وقد وصفت النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين "فيفبرو" صفقة انتقال نيمار بأنها "مخالفة لقواعد المنافسة".
 
وقال الأمين العام للنقابة ثيو فان سيغلِن في بيان إن كرة القدم غدت الآن - وبشكل يفوق أي وقت مضى - ساحةً تهيمن عليها "مجموعة منتقاة من الأندية الثرية، أوروبية المقر في الغالب".
 
وأضاف فان سيغلِن أن الزيادة الكبيرة في قيمة رسوم انتقال اللاعبين خلال مواسم الانتقالات "ساعدت على تقويض التوازن التنافسي"، وذلك نظراً إلى أن حفنةً من الأندية الكبرى - مثل مانشستر يونايتد وريال مدريد وبايرن ميونيخ - هي فقط التي يكون بوسعها شراء لاعبين من الطراز الأول، وهو ما يجعلها تهيمن على بطولات الدوري في وقت لا تسنح للأندية الأقل ثراءً الفرصة لذلك.
 
المفارقة أن البيانات الخاصة بالاتحاد الدولي لكرة القدم تؤكد أن دفع رسوم انتقال باهظة في إطار الصفقات الخاصة بانتقالات اللاعبين ليس بالأمر السائد على الإطلاق على مستوى العالم.
 
ففي واقع الأمر، لم تُدفع هذه الرسوم سوى في 14 في المئة من الصفقات التي جرت على هذا الصعيد خلال العام الماضي. أما باقي الصفقات فكانت صفقات انتقال حر، في ضوء أنها جرت بعد انتهاء عقود اللاعبين المشمولين بها.
 
هل يمكن لأي لاعب آخر تحطيم الرقم القياسي الخاص بصفقة نيمار؟
 
تبلغ قيمة الشرط الجزائي في العقد المبرم بين النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي ونادي برشلونة 300 مليون يورو (358 مليون دولار)، وهو ما يشير إلى أن الرقم القياسي الذي حققته صفقة نيمار، يبدو أنه لن يظل لوقتٍ طويل عصياً على الكسر.