ميدل ايست آي: لندن وواشنطن.. والتربح من الدم اليمني

حذر خبير سابق في جرائم الحرب في وزارة الخارجية الأمريكية من أن مبيعات الأسلحة إلى السعودية "محظورة" بموجب القانون الأمريكي، ولكن الصادرات القاتلة لا تزال مستمرة.

 

وقضت المحكمة العليا في لندن الشهر الماضي، بأن مبيعات الأسلحة البريطانية للمملكة العربية السعودية مشروعة، مع استبعاد المراجعة القضائية التي رفعتها حملة ضد تجارة الأسلحة، التي طالبت بوقف صادرات الأسلحة بسبب المخاوف الإنسانية.

 

وكانت الحملة ضد تجارة الأسلحة (CAAT) استأنفت الحكم، لكن لا عجب فقد تقرر في نهاية المطاف - على أسس الأدلة السرية التي قدمتها الحكومة البريطانية - ان تعقد في جلسة مغلقة. وهذه ليست عدالة منفتحة: فهي دليل على كيفية قيام مؤسسة "الوايتهال" للسياسة الخارجية بإساءة استخدام "الأمن القومي" كطرف انتقائي لحماية أنفسهم من المساءلة القانونية.

 

الشيء نفسه يحدث على جانب الحفرة. وطبقا لما ذكره كبير مستشاري جرائم الحرب السابقين بوزارة الخارجية الأمريكية فإن مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية "محظورة" بموجب القوانين الأمريكية بسبب "أدلة موثوقة" بارتكاب أعمال غير شرعية خلال حملة القصف التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن.

 

ونشر البروفيسور، مايكل نيوتن، الذي يدرِّس الممارسات القانونية الدولية في كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت، في مايو، تحليلا بشأن قانونية مبيعات الأسلحة الأمريكية المستخدمة في اليمن، في ورقة بيضاء. وارسلت نقابة المحامين الأمريكيين ورقة نيوتن هذه إلى مجلس الشيوخ الأمريكي تقول إن "أسئلة قد أثيرت بشأن ما إذا كانت المبيعات تتماشى مع التزامات الولايات المتحدة بالقوانين التشريعية".

 

لكن لسوء الحظ، ورغم متانة الحجة القانونية، إلا أنها لم تمنع مجلس الشيوخ الأمريكي من دعمه الضيق لبيع ذخيرة موجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية في منتصف يونيو بقيمة 500 مليون دولار أمريكي. وبريطانيا وأمريكا تتصرفان فوق القانون، وتواطؤنا في حرب السعودية ضد اليمن يثبت ذلك.

 

وإذا كانت قوانيننا المحلية لا تملك سلطة لمنع حكوماتنا من أن تصبح متواطئة في الإرهاب الذي تمارسه الدولة السعودية في اليمن، فإن هذا لا يجعل مبيعات الأسلحة مشروعة. وهذا يعني ببساطة أن قوانيننا غير مناسبة للغرض وأن سيادة القانون أصبحت مهزلة ومغلفة بورقة تين، لتمكين الولايات المتحدة وبريطانيا من الاستعانة بمصادر خارجية للحروب غير القانونية لوكلائهم في الخليج.

 

الكارثة الإنسانية تتسارع

ووفقا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين في اليمن أكثر من 13،000، و21 مليون يمني في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية. ودانت لجنة خبراء الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، حملة القصف العشوائية التي تشنها السعودية في اليمن والتي أسهمت بشكل مباشر في هذه الأزمة المأساوية.

 

وقال لين معلوف، نائب مدير البحوث في مكتب بيروت الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إن الأسلحة البريطانية والأمريكية "استخدمت لارتكاب انتهاكات جسيمة وساعدت على تعجيل الكارثة الإنسانية في اليمن".

 

وعلى غرار بريطانيا، لعبت الولايات المتحدة دورا قياديا في دعم الحرب السعودية في اليمن من خلال تصدير المعدات العسكرية، بما في ذلك إعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود لدعم حملة القصف. وعلى مدى السنوات الثمانية الماضية، باعت الولايات المتحدة أسلحة للسعودية بأكثر من 115 مليار دولار.

 

وفي العام الماضي، صرحت إدارة أوباما بتصدير اسلحة الى السعودية بما قيمته 1.3 مليار دولار، على الرغم من التحذيرات الداخلية من بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون متورطة في جرائم حرب لدعم حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن.

 

وفي مايو، أعلن الرئيس دونالد ترامب ابرام صفقة أسلحة مع المملكة العربية السعودية بقيمة 110 مليارات دولار، على مدى السنوات العشر المقبلة.

 

التربح من الدم اليمني

ولكن الفكرة المهمة، بطبيعة الحال، هي الرغبة الأمريكية-السعودية المشتركة الجادة في ترتيب مربح وطويل الأجل يحقق فيه المجمع العسكري الصناعي الأمريكي أرباحا هائلة من دماء المدنيين اليمنيين.

 

ولكن وفقا لما ذكره البروفيسور مايكل نيوتن في تحليله، فإن مبيعات الأسلحة الأمريكية الجارية "محظورة" بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة وقانون المساعدات الخارجية.

 

وعمل نيوتن كمستشار كبير في قضايا جرائم الحرب في وزارة الخارجية الأمريكية. كما قام بتدريس القانون الدولي في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت.

 

أخبرني نيوتن أنه على الرغم من هذه النتائج القوية، فإنه لم يحاول أن يقول "إن السعودية ارتكبت جرائم حرب، ولكن فقط أنها قامت بعمل غير كاف للتصدي للمزاعم الخطيرة". وقال ان ما يجب فعله هو ان تقوم الولايات المتحدة والسعودية "بالتنسيق الوثيق حول الشفافية وتحسين الاستهداف".

 

ولكن هذا لا يحدث حاليا، ولا توجد شفافية، ولا يوجد دليل واحد على تحسين الاستهداف. وطالما لم يحدث ذلك، لا ينبغي افتراض أن مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية "مسموح بها"، كما يقول نيوتن.

 

وقال نيوتن في ورقة العمل التي أعدها عن سلسلة أبحاث الدراسات القانونية في كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت: "في مواجهة التقارير المستمرة التي تتهمها بالانتهاكات، فشلت المملكة العربية السعودية في دحض الاتهامات أو تقديم أدلة مفصلة على امتثالها للقانون الإنساني الدولي".

 

وحتى بعد أن تلقت الوحدات العسكرية السعودية تدريبا مكثفة ومعدات دقيقة لتقليص عدد الضحايا المدنيين، استمرت التقارير المتعددة والموثوقة عن الهجمات المتكررة والمتعمدة، بالظهور.

 

وبالتالي، قال نيوتن إن الحكومة الأمريكية "لا يمكن أن تستمر في الاعتماد على الضمانات السعودية بأنها ستمتثل للقانون الدولي والاتفاقات المتعلقة باستخدام المعدات الأمريكية".

 

وبالتالي، خلص نيوتن إلى أنه بموجب القانون الاتحادي، يحظر المزيد من مبيعات الأسلحة، إلى أن تتخذ المملكة العربية السعودية تدابير فعالة لضمان الامتثال للقانون الدولي، ويقدم الرئيس الافادات ذات الصلة إلى الكونغرس".

 

تزايد المعارضة

وبطبيعة الحال، لم يحدث ذلك حتى، ولكن على الأقل تقوم شركات "الدفاع الأمريكية" بالقتل.. حرفيا.

 

سألت أندرو سميث، المتحدث باسم "الحملة ضد تجارة الاسلحة"، عن هذه النتائج. وقال اننا نرحب بكل تدقيق للحكومات المتواطئة في تسليح ودعم القصف الوحشي الذي اطُلق له العنان على اليمن.

 

واضاف ان المعارضة المتزايدة لدعم الحكومة الامريكية غير الانتقادي للنظام السعودي مهمة جدا، ومن الحق التشكيك فيه ليس فقط في الكونغرس وفي الشارع الامريكي ولكن ايضا من قبل خبراء قانونيين.

 

وسألت أيضا وزارة الخارجية عن تفسيرهم لاستنتاجات البروفيسور نيوتن المدمرة. ورد متحدث على البريد الإلكتروني ولكنه لم يتناول الادعاء الرئيسي بأن مبيعات الأسلحة محظورة ببساطة بموجب القانون الاتحادي.

 

وقال المتحدث "ان جميع مبيعات الدفاع الامريكية المحتملة يتم تقييمها بعناية في اطار سياسة الحكومة الامريكية، لفحص قضايا تشمل الامن الاقليمي ومنع الانتشار النووي والشواغل المتعلقة بحقوق الانسان".

 

وواصل المتحدثة التأكيد على أن عملية المراجعة والرصد تتم دائما لضمان استخدام الأسلحة الأمريكية بالطريقة التي تتفق مع التزاماتنا القانونية وأهداف السياسة الخارجية وقيمنا.

 

ولكن في سياق حجة نيوتن، يشير هذا إلى أن الحكومة الأمريكية في الواقع تدرك تماما انتهاكات السعودية للقانون الدولي المنتظمة والممنهجة في اليمن، وسعيدة بمواصلة دعم الحرب بنفس القدر.

 

 

 

*موقع "ميدل ايست آي" البريطاني
*الدكتور، نافيز أحمد، المحلل الجيوسياسي البريطاني وحاصل على دكتوراه في التحقيقات الصحفية الاستقصائية والأمن الدوليين، ومؤلف كتاب "أزمة الحضارة". حائز على جائزة مشروع رقابة الصحافة الاستقصائية البارزة لصحيفة الغارديان.