الرياضيات قد تساعدنا في معالجة الأمراض وتطوير لقاحات أفضل

قد تسبّب لنا النظريّات الرياضيّة بعض الصداع، إلّا أنّها تساعدنا في إدراك النظام في كلّ شيء بدءًا من النجوم العملاقة وانتهاءً بالفيروسات الدقيقة. وقدّم علماء الرياضيّات –مؤخَّرًا– فهمًا جديدًا لبنية الفيروسات، ما قد يساعدنا في صناعة لقاحات أفضل.

التكامل الحسابي والأخماج

ما علاقة الرياضيّات التي ربّما أزعجتك في سنوات المدرسة بالوقاية من 887 ألف حالة وفاة سنويّة بسبب الأمراض الفيروسيّة؟ توجد علاقة وطيدة، إذ أنّ الرياضيّات هي مفتاح فهم الكون بأسره.

تساعدنا الأرقام والمعادلات في فهم الكون بدءًا من الأنماط في الحياة النباتيّة وانتهاءً بكتل النجوم البعيدة. وساعدتنا أيضًا في التنبّؤ بأشكال الفيروسات الصغيرة التي يستحيل رؤيتها تحت معظم المجاهر.

وتزيد أهمية الرياضيّات في دراسة الفيروسات بسبب القشرة البروتينية التي تكوّن أشكالًا هندسيّة.

وترمز متواليات الفيروسات الجينيّة القصيرة لبروتينات قليلة تتمايز شكليًّا، إلّا أنّ هذه البروتينات تعيد تشكّلها في قوالب متنوعة ثلاثيّة الأبعاد. وتسهم هذه القوالب البروتينية في تغليف الجنيات الفيروسية، وتشكّل فيروسات جاهزة لإصابة عضيَّات حيّة جديدة.

وأدرك العلماء قدرة البروتينات الفيروسية على إعادة التشكّل منذ إعلان واتسون وكريك عن اكتشافهم العلمي، لكنّ كيفية حدوثها في فيروسات عديدة ظلت محيّرة للعلماء. وقبل خمسة عشر عامًا، عثرت ريدن تواروك عالمة الرياضيّات في جامعة يورك في إنجلترا على محاضرة عن كيفية تشكيل الفيروسات للقشرة البيضوية، وأولتها اهتمامًا خاصًّا لارتباطها بالمشروع الذي تعمل عليه. ثمّ قرّرت ريدن تواروك حلّ المعضلة الرياضيّة لتدخل مرحلةً جديدة في أبحاثها.

أدركت تواروك أنّ الدراسة الرياضيّة لن تكشف عن كيفية تشكّل الفيروسات فحسب، بل قد تفسّر كيفية مهاجمتها للخلايا وتطوّرها أيضًا. لذا بدأت بالتعاون مع بيتر ستوكلي بروفيسور الكيمياء الحيوية في جامعة ليدس في إنجلترا، وأثمر دمج الرياضيات مع علوم الأحياء عن نتائج مهمّة فعلًا.

وقالت تواروك في مقابلة مع مجلّة كوانتا «طوّرنا نظامًا تكامليًّا متعدّد الاختصاصات يسبر علوم الأحياء من خلال الرياضيّات ويسبر الرياضيّات من خلال علوم الأحياء.»

الهندسة تغلب الميكروبات

استنتج الباحثون من خلال الرياضيّات أنّ سر النظام الذي يدرسونه في أسطح القشرة الفيروسية يكمن في الدور الذي تلعبه العمليّات الوراثية في إعادة تشكّل البروتينات. وبعد تطبيق عدّة نظريّات رياضيّة، أعلنت تواروك أنّ الحمض النووي الريبوزي RNA يستمرّ في اتصاله بالبروتينات كي يساعدها على تشكيل الفيروسات الجديدة.

طبّق الفريق هذه المقاربة العلميّة على الفيروسات التي يرغب في دراستها. ونشر نتائج دراسته عن فيروس الزكام في شهر فبراير/شباط في مجلة ناتشور كومونكاشنز، ثم نشر نتائج دراسته عن فيروس التهاب الكبد الوبائي ب الذي يسبب وفاة 887 ألف شخص سنويًّا في مجلة ناتشور ميكروبيولوجي أثناء هذا الصيف.

لا يهدف الفريق في بحثه إلى التحقيقات الأكاديمية فحسب، إذ قال ستوكلي لمجلّة كوانتا «نرغب في تمنيع البشر باللقاحات ضدّ مئات الإصابات الفيروسية.» ويبحث الفريق من خلال هذه الدراسات عن نوع جديد من اللقاحات.

ويوجد اليوم نوعان رئيسان من اللقاحات المعتمدة. يتكوّن أحدهما من فيروسات ميتة، والتي لا يجدي استخدامها نفعًا في بعض الحالات. أمّا الآخر فيتكوّن من فيروسات حيّة لكنّها مضعَفة، ويمنح هذا النوع مناعةً أقوى ضد الأمراض لكنّه يحمل خطرًا أكبر.

يُقدّم ستوكلي اقتراحًا مختلفًا لتصنيع اللقاحات، ويعتمد على ما أظهرته الدراسات الرياضيّة عن تشكّل الفيروسات، ما يتيح للعلماء صناعة جسيمات شبيهة بالفيروسات. وسيبلغ الشبه قدرًا كافيًا يتيح له تفعيل الاستجابة المناعيّة ذاتها التي تحدث عند الإصابة بالفيروس دون خطر التعرّض للإصابة فعليًّا، إذ أنّ هذه الجسميات لن تملك القدرة على إصابة الخلايا.

لن يقي هذا اللقاح النوعي الجديد من الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي ب فحسب، بل سيقي من أنواع عديدة من الفيروسات أيضًا إلى جانب البشر الذين أنقذتهم اللقاحات المعتمدة. وكان من المستحيل لهذا الكشف الطبي أن يحدث دون المهارات الرياضيّة المتقدّمة التي تمتّعت بها تواروك.

المصادر: مرصد المستقبل، Quanta Magazine, Nature Communications, Nature Microbiology