مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق: عدوانية سلمان أوقعت السعودية في مأزق مكلف باليمن

*بروس ريدل: مستشار سابق لاربعة رؤساء أمريكيين وضابط استخبارات سابق ومدير معهد بروكينغز الاستخباراتي
 
منذ أن تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود العرش منذ عامين ونصف، تبنى سياسة خارجية أكثر عدائية وعدوانية بالمقارنة مع أسلافه. من الواضح أن سلمان يحب المخاطرة، ولكن سواء نجح في ذلك أم لا.
 
فالمملكة غارقة في مأزق مكلف في اليمن حيث تتغلب عليها عدوتها اللدودة إيران كما أن مجلس التعاون الخليجي بات منقسماً ومتفككا بسببها. وقد تزعزعت التحالفات وازدادت المعارضة للسياسات السعودية على جانبي المحيط الأطلسي.
 
في عهد الملك فيصل، كانت السياسة الخارجية التقليدية للسعودية مبنية على التفاعل والحذر وكانت المملكة تتفادى المخاطر وغالباً ما كانت سياسة الأمن القومي تعتمد بالخفاء مع تجنب ممارسة القوة.
 
كان الملوك صارمين ولكنهم توخوا الحذر وحرصوا على عدم التمادي في استعمال قدراتهم.
 
ولكن الملك سلمان لم يتردد قبل تدخله في اليمن في أوائل عام 2015 لمنع الحوثيين من الاستيلاء على البلاد. وباتت الحرب كارثة إنسانية تثقل بكاهلها على الشعب اليمني، وفي الوقت نفسه مأزق عسكري ومكلف للتحالف السعودي. وقد تفشى مرض الكوليرا في 21 من أصل 22 محتفظة في اليمن وسجلت أكثر من ربع مليون حالة. أما المعارك، فبالكاد تغير وضع الجبهات.
 
كما أن الحرب مكلفة جدا للملك. فالأشهر التسعة الأولى من العمليات كلفت أكثر من 5 مليار دولار بينما تقدر كلفة العمليات العسكرية شهرياً بـ700 مليون دولار، ناهيك عن المصاريف المخفية الأخرى لتسديد ثمن دعم دول مثل السودان الذي قدم جيوشاً للحرب.
 
ومما لا شك في أن الحرب أثارت التوتر في العلاقات والشراكات القديمة. رفضت عمان الانضمام إلى التحالف ولم يلتق الملك مع السلطان قابوس مباشرة منذ ذلك الحين. أما باكستان، القوة المسلمة الوحيدة التي لديها أسلحة نووية، فأجمع برلمانها في التصويت على المحافظة على الحياد وعدم إرسال جيوش للمحاربة في اليمن، بينما الدعم المصري كان فاترا.
 
استفادت إيران بشكل كبير من الحرب، فهي لا تنفق سوى القليل بالمقارنة مع انفاقات السعودية الضخمة في اليمن. فحروب إيران بالوكالة في العراق وسوريا تكتسب زخماً ضد الأعداء السنة ولا يزال التخريب الإيراني نشطاً في الخليج وفي المقاطعة الشرقية للمملكة.
 
قطع سلمان العلاقات مع طهران عام 2016 وبات السعوديون الآن يتعاطفون مع أعداء النظام الإيراني علناً. وقد حضر رئيس المخابرات السابق تركي فيصل بن عبد العزيز آل سعود مؤتمرات حركة مجاهدي خلق مرتين في باريس. ولكن كل هذا لا يخيف النظام الإيراني.
 
بعد نجاح قمة الرياض في مايو التي بدا أنها جمعت العالم المسلم خلف السعوديين ولو لفترة وجيزة، سرع الملك الأزمة مع قطر. فانقسم مجلس التعاون الخليجي وابتعدت عمان أكثر بعدا عن المملكة. كما انتقدت الصحافة الباكستانية بشكل لاذع الجهود السعودية لإغلاق مؤسسة الأنباء القطرية الجزيرة ولحصر سيادة قطر. ثمة آلاف العمال الباكستانيين في دول مجلس التعاون الخليجي والبلاد واقفة على الحياد ظاهرياً، ولكن الأزمة حدت من مصداقية العلاقات الخارجية السعودية في إسلام آباد وغيرها.
 
وألغى الملك على نحو مفاجئ حضوره قمة العشرين في هامبورغ قبل 72 ساعة من افتتاحها واكتفى بإرسال ممثل عن المملكة. وبحسب تقارير ألمانية، كانت السعودية تخشى من ممارسة ضغط خاص على الملك خلال القمة للتفاوض مع الدوحة. كما أن ولي العهد، وهو إبن سلمان المفضل، تفادى هامبورغ. ولكن لا تزال المملكة مضطرة لتسديد فواتير الغرف في فندق فور سيزونز الفاخر. وفي عام 2020، ستقام قمة العشرين في السعودية.
 
تعتبر أنجح مبادرة في سياسة الملك سلمان الخارجية التملق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة الرياض. ولكن الحرب اليمنية والأزمة القطرية تكلفان السعودية دعم الكونغرس.
فلم تحظ الصفقة الأخيرة لتزويد أسلحة لساحة المعركة اليمنية بقيمة نصف مليار دولار سوى بدعم بفارق ضئيل في مجلس الشيوخ (53 مقابل 47). وصرحت قيادة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إنها لن تنظر في مزيد من مبيعات الأسلحة إلى أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي حتى يتم حل الأزمة القطرية. وهذا القرار يؤثر على السعوديين دون غيرهم بسبب حاجتهم المستمرة إلى إمدادات لمحاربة الحوثيين وحلفائهم.
 
في لندن أيضاً، يشعر السعوديون بتفاقم الأزمة إذ اتهم مركز للأبحاث المملكة بأنها الداعم المالي الأول للتطرف في المملكة المتحدة. ويرفض رئيس الوزراء البريطاني نشر نتائج تحقيقات الدولة حول المسألة نفسها، لأنها ربما تفضي إلى الاستنتاج نفسه.
 
ويدعو حزب العمال المعارض الذي حقق انتصاراً كبيراً هذا الصيف الى وقف جميع عمليات بيع الأسلحة الى سلاح الجو الملكي السعودي خصوصاً وإلى المملكة بشكل عام، علماً أن القوات الجوية السعودية تعتمد بشكل كبير على دعم الولايات المتحدة وبريطانيا في حربها باليمن، ويمكن أن يشل حظر الأسلحة نشاطها.
 
مع انخفاض يلوح في الأفق لأسعار النفط، تواجه المملكة تحديات اقتصادية صعبة. ولا يمكن أن تستمر في إنفاق أموال طائلة تفوق إنفاق أي دولة أخرى على الأسلحة. وإذا لم تضع حدوداً لإنفاقها الدفاعي، ستتبخر آمالها في الإصلاحات الاقتصادية. واليوم، يذكرنا وضع المملكة بالسنوات الأخيرة لشاه إيران، عندما بات عاجزاً عن تسديد فواتير صفقات الأسلحة.
 
لا شك في أن أوضاع آل سعود أكثر استقراراً من سلالة بهلوي، ولكن الاقتصاد السعودي يتهاوى ويميل إلى الركود. لقد حان الوقت لاتباع نهج أكثر تقليدية واتخاذ تدابير أكثر حذراً في السياسة الخارجية.
 
تمادت السعودية في نهجها العسكري والاقتصادي ومن الضروري أن تتروى وتعود إلى تبني سياسة خارجية تقليدية.
 
*صحيفة "المونيتور" الأمريكية