مجلة "بوليتكو": بن سلمان يورط واشنطن في مستنقع اليمن والمنطقة

في الفترة الأخيرة، بدأ الرئيس دونالد ترامب كمعجب مراهق تجاه الملك سلمان وابنه ولي العهد الجديد محمد بن سلمان. ومنذ عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، كانت هناك علاقة قوية بين الإدارات الأمريكية والقيادة السعودية، لكن أن يصل الأمر إلى حد الافتتان، فالأمر خطير تماما. فالأمير الشاب الذي سيكون ملكا، لن يجر بلاده فقط إلى المشكلات، بل سيجر الولايات المتحدة معه.
 
لم يعبر الرئيس ترامب وحده عن إعجابه بالأمير الشاب، فقد سبق وأن عبر عن ذلك وزير الخارجية الامريكية ريكس تيلرسون، ووزير الخارجية الألماني، ورئيس صندوق النقد الدولي. وذلك بسبب خطته الطموحة لتحديث السعودية "رؤية 2030"، لكن من غير الواضح إذا ما كانت إمكاناته الشخصية ستخوله للنجاح في تلبية تلك التوقعات.
 
من يدري ما إذا كان الملك الشاب سوف يكون قادرا على الوفاء بهذه التوقعات على الجانب المحلي. فالقوى والتحديات قد تحد من آفاقه. ولكن هناك شيء واحد واضح بالفعل عندما يتعلق الأمر بتعامله مع السياسة الخارجية: في عامين قصيرين، كنائب ولي العهد ووزير الدفاع، دفع بن سلمان المملكة إلى سلسلة من الأخطاء الفادحة في اليمن وقطر وإيران. وبعيدا عن الحكم والخبرة، فقد ثبت افتقاره للخبرة واندفاعه وتهوره من خلال الحرب في اليمن وأزمة دول الخليج مع قطر وتصريحاته المندفعة ضد إيران، وبحس قليل يربط الأساليب بالاستراتيجية. ومما يؤسف له أنه تمكن من توريط وجر إدارة ترامب الجديدة في بعض هذه المغامرات الفاشلة أيضا.
 
والواقع أنه إذا لم تضع واشنطن بعض القواعد وتجاوزت نفسها عن سوء التفاهم السعودي، فإنها ستجد أهدافها أكثر صعوبة. فيما يلي ثلاثة اعتبارات تحتاج إدارة ترامب للتفكير بها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط شركة فرعية مملوكة بالكامل للمملكة العربية السعودية.
 
لا نلوم ولي العهد على التأثير السلبي على الولايات المتحدة، بل نلوم البيت الأبيض، الذي اعتقد وبسذاجة أن الرياض ودول الخليج تعد مهمة لمساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الرئيسية الثلاثة في الشرق الأوسط، وهي: "هزيمة تنظيم داعش، ووقف التأثير الإيراني، وتحقيق تسوية بين العرب والإسرائيليين". لكن بسبب السلوك السعودي منذ وصول الملك سلمان وابنه إلى سدة الحكم عام 2015، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق أن تحقق الرياض أيا من هذه الأهداف. وما لم تقم واشنطن بوضع قواعد للعبة أو تبعد نفسها عن المغامرات السعودية الفاشلة، فإنها بالتأكيد ستجد هذه الأهداف اكثر صعوبة.
 
فيما يلي ثلاثة اعتبارات تحتاج إدارة ترامب للتفكير بها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط تابعة ومملوكة للمملكة العربية السعودية:
 
هل يستطيع السعوديون تجنب المزيد من الأخطاء المتهورة؟
 
لقد سارت نتائج ومبادرات كل ما أقدم عليه بن سلمان في الاتجاه المعاكس. فقد تحولت حربه في اليمن إلى كارثة إنسانية وفوضى عارمة. وبناءً على توجيهاته يقوم السعوديون وحلفاء خليجيون آخرون بحملة جوية وحشية لا هوادة فيها تسببت بكارثة إنسانية كبيرة، وقتلت آلاف المدنيين، وتسببت بأضرار فادحة على البنى التحتية المدنية، وتفاقم المجاعة المستمرة. ولم تحقق السعودية حتى الآن أي نجاح يذكر.
 
ويجد السعوديون وحلفاؤهم أنفسهم اليوم عالقين في مستنقع اليمن، وحتى بعد مضاعفة الحملة العسكرية، لم يكونوا قادرين على إخراج الحوثيين وحلفائهم من العاصمة، أو السيطرة على الجزء الشمالي من البلاد، وليس لديهم استراتيجية دبلوماسية قابلة للتطبيق لإنهاء الحرب، وبمساعدتها وتحريضها السعوديين في اليمن، مكنت واشنطن القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وعززت النفوذ الايراني، وقوضت الامن السعودي، وجعلت اليمن أقرب إلى حافة الهاوية..
 
وقد اوقع السعوديون أنفسهم - والولايات المتحدة - في حفرة عميقة في اليمن، وعليهم التوقف عن الحفر ليستطيعوا الخروج منها.
 
كما ان بصمات ولي العهد واضحة في الحملة ضد قطر. (كما في اليمن، شجعت المملكة أيضا بعض حلفائها العرب السنة على المضي في هذا المستنقع). هذه الأزمة، التي تفاقمت بدعم ترامب المفتوح للموقف السعودي، وجهت ضربة خطيرة للدبلوماسية الأمريكية في الخليج.
 
وتأمل إدارة ترامب في بناء تحالف عربي سني قوي وموحد لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط؛ وبدلا من ذلك، فإن القتال الذي لا داعي له الذي اختاره السعوديون ضد قطر قد مزق هذا التحالف.
 
في الواقع، قام ولي العهد بهندسة هذا النزاع ليس لمعاقبة قطر على تمويلها للإرهاب (وهو تعليق منافق يأتي من السعوديين، الذين قام مواطنوهم بتقديم الدعم للمتطرفين الراديكاليين على مر السنين)، بل من أجل إنهاء السياسة الخارجية المستقلة لقطر، ومعاقبتها على دعم الإخوان المسلمين، ولعلاقتها مع إيران، ويريد السعوديون تحويل قطر إلى دويلة تابعة لهم، كما فعلوا مع البحرين، وكجزء من خطة للهيمنة على منطقة الخليج كلها.
 
لكن طموح ولي العهد المتهورة، وضعت المملكة على مسار تصادم مع إيران والولايات المتحدة، مع دعمها غير النقدي للمملكة العربية السعودية وموقفها المتشدد ضد إيران.
 
إن قرار إدارة ترامب جنبا إلى جنب مع السعودية في صراعها ضد اليمن وقطر مثل صب البنزين على النار. وعلى واشنطن أن تقوم بكل ما في وسعها لإخماد هذه النيران.
 
هل يمكن للسعودية تحقيق تقدم بشأن عملية السلام؟
 
لا شك أن المواجهة مع إيران وظهور تهديدات جهادية جديدة مثل تنظيم داعش والقاعدة دفعت الدول العربية للتقارب مع إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، لكن هل يكفي هذا للقفز بخطوات كبيرة تجاه "صفقة القرن" التي أشار إليها ترامب؟
 
قد تكون السعودية مستعدة لتقديم بعض التنازلات الصغيرة في مقابل توحيد الجهود ضد النفوذ الإيراني، لكن لكي يكون هناك خطوات واسعة نحو إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية علنية وودية مع إسرائيل، فإن الرياض لن تعرض نفسها للانتقادات الشعبية والرسمية من قبل الدول الإسلامية وإيران ما لم تقدم إسرائيل تنازلات كبيرة.
 
هل يمكن للولايات المتحدة وقف دعم السعوديين ووضع بعض القواعد للتعامل معهم؟
 
من الواضح أن ترامب مغرم بالسعوديين، بسبب صفقات الأسلحة، وما أغدقوه عليه من كرم واغراء الشهر الماضي، إلا أنه ينظر للسعوديين على أنهم مفتاح مهم لتحقيق أهدافه في المنطقة، ومنحها حرية واسعة لمتابعة أجندتها المعايدة لإيران دون النظر إلى مصالح أمريكا.
 
بن سلمان هو المحرك الأساسي للكثير من هذه المخاطر المتهورة، حيث جر الولايات المتحدة للمشاجرات المحلية، بشكل خلق مخاطر لمواجهة جدية بينها وبين إيران، ما يؤثر على الاتفاق النووي معها، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة خطرا نوويا أكبر قادما من كوريا الشمالية.
 
لقد حان الوقت أن تضع إدارة ترامب بعض الخطوط الحمراء مع الرياض. ولدى واشنطن النفوذ اللازم على السعوديين، الذين لا يزالون يعتمدون اعتمادا كبيرا على الدعم العسكري والمخابراتي الأمريكي لأجل أمنهم. وفي اليمن، يجب على واشنطن أن تجعل دعمها مشروطا بالجهود التي ترعاها الأمم المتحدة للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية وانهاء الحرب. ومع قطر، يجب على البيت الأبيض ووزارة الخارجية التدخل مباشرة مع السعودية (والإمارات) للضغط على البلدين لتخفيف المطالب المتشددة التي قدموها إلى قطر لإنهاء الأزمة.
 
ومع إيران، ورغم أن هذا سيكون مؤلما، يجب على الرئيس أن يتبع بعضا من مسار الرئيس باراك أوباما. وبدلا من الانخراط في الخطابات التي تصعد الصراع، يجب على الولايات المتحدة أن توضح للسعوديين أن دعم أمريكا لمؤسستها العسكرية والأمنية يبقى مشروطا، وسوف يتوقف إلى حد ما على الجهود السعودية للتخفيف من حدة علاقتها العدائية مع إيران.
 
نحن لسنا على يقين من أن البيت الأبيض مستعد للقيام بأي من هذه الأمور. لسنوات عديدة خلال فترة ولايتنا الطويلة في وزارة الخارجية، انتقدنا في مذكرة بعد المذكرة الاعتماد السعودي غير الصحي على الولايات المتحدة لحل مشاكلها الأمنية الخاصة وفشلها في تقديم حل للتهديدات الأمنية الإقليمية. واعربنا عن أسفنا إزاء نفور المملكة المزمن من المخاطرة في صنع السلام العربي الإسرائيلي. والآن بعد أن حصلنا على ما كنا نتمناه، وهو مملكة أكثر استقلالا وحزما، ربما تستطيع الولايات المتحدة توجيه السعودية الجديدة للمخاطرة بطريقة تفيد السياسة الأمريكية.
 
ولكن إذا لم نضع بعض القواعد الأساسية ونلتزم بها اذا تراجع السعوديون إلى الوراء، فإن واشنطن ستنزلق في افق السياسة الضيقة للقوة الصغيرة التي لن تخدم مصالحنا الكاملة. وسيكون سيئا بما فيه الكفاية لكي يستغلها خصومنا، وخاصة روسيا وإيران.
 
*مجلة "بوليتكو" الأمريكية
 
آرون ديفيد ميلر: نائب رئيس معهد "المبادرات الجديدة" وباحث بارز في مركز ويلسون للباحثين.
ريتشارد سوكولسكي: زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وعضو سابق في مكتب تخطيط السياسات بوزارة الخارجية.