حرب اليمن إذ تٌسقط الملوك وأولياء العهود!!

إنها الحرب اللعينة على اليمن، في خطوة متوقعة قام الملك سلمان بعزل الأمير محمد بن نايف ولي عهده تماما كما أعفى أخيه مقرن بن عبدالعزيز بسبب حرب اليمن التي لم تكن تسمح لشخص أن يكون في سدة الحكم بينما هو لم يكن من مؤيدي تلك الحرب.

وما أشبه الليلة بالبارحة إذ يعيد التاريخ نفسه حيث تم عزل الملك سعود بعد خلافات شديدة بينه وبين العائلة وتحديداً مع أخيه فيصل حول إدارة ملف اليمن وتهديداته بعد التدخل المصري في اليمن لإسقاط الملكيين هناك وعلى وقع ضرب المدن السعودية بالطائرات في عسير ونجران ومحاولة إسقاط الحكم الملكي الرجعي في الرياض، هذا مايؤكده مؤلف كتاب العلاقات اليمنية السعودية (جريجري جويس) وهو من أحسن من كتب عن تلك الفترة للعلاقات اليمنية السعودية.

مؤخراً تم عزل الأمير محمد بن نايف صاحب أسوء سجل في إنتهاك حقوق الإنسان بإمتياز في وزارة من أهم وزارات البلاد، والذى أدار عمليات مكافحة الإرهاب منذ أكثر من عقد دون أن يتم حوكمة عملياتها ودون أن تهدأ وتيرتها وبقيت البلاد في حالة طوارئ غير معلنة منذ كان مساعداً لوالده ومازالت حتى الآن.

لكن كيف اسقطت حرب اليمن محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السابق وهو لم يكن متورطاً فيها بشكل مباشر كإبن عمه وزير الدفاع ولي العهد الحالي رغم أنه كان على بعد خطوة من إرتقاء العرش في البيت السعودي المتصدع.

د. حسن العمري
د. حسن العمري
محمد بن نايف صاحب العلاقات التقليدية الموروثة من والده في المحافظة على شعرة معاوية مع التيار الديني بشكل عام، هذا التيار الديني الذي يتنوع من اليمين السلفي بكل أطيافه وسلفياته الي أقصى اليسار الحركي ومن ضمنه السروريون و”الإخوان المسلمون”

هذه العلاقة الوطيدة وإجادة اللعب مع هذا التيار بكل تشكلاته مداً وجزراً هي إحدى أوراق خليفة (أسد السنة) – كما يسميه السلفيون بذلك – وعندما إندلعت الحرب على اليمن كان من أقوى أوراق وزير الدفاع محمد بن سلمان هو الإعتماد على الإخوان الذين تم إزاحتهم من السلطة في اليمن (حزب الإصلاح) ومشائخ القبائل المحسوبين على الإصلاح ليساعدوه في حسم المعركة على الأرض، لكن يبدوا أن هذا الرهان على الإخوان وطيلة مدة الحرب لم ينجح، فلم تدع السعودية طريقة أو حيلة أو إستجداء أو دعم أو إنفاق أموال أو تسليح لفلول حزب الإصلاح في اليمن الا وفعلته ولكن دون أن تكون هناك إرادة جادة من قبل رجالات هذا الحزب لإنجاح مهمة وزير الدفاع الشاب وبدأ الوقت يمضي ضد طموحاته مع إبتزاز ومتاجرة بالحرب من قبل بعض المنتفعين من إطالة الحرب من رجالات الحزب، لقد قايض “الإخوان المسلمون” في اليمن- حزب الإصلاح- السعوديين بقضايا وملفات إقليمية أخرى أهمها مظلوميتهم في البلد الأم – مصر – وفي ليبيا وسوريا.

كان بن سلمان يأمل من بن نايف وبحكم علاقته بالأخوان وبالسلفيين ونفوذه عندهم ولدى بعض القادة في الخليج وتركيا ممن يدعمون الإخوان أن يساعدوه في تحقيق إنجاز في اليمن لكن دون جدوى، كل ذلك أدى الي تراكمات وإمتعاض من قبل بن سلمان يقابله إحساس بالتشفي من بن نايف الذي لم يكن يكره فشل بن سلمان في اليمن لكي يسد عليه إمكانية منافسته علي الحكم، ولعل لسان حاله كان يقول لم آمر بها ولم تسؤني.

لكن يبدو ان السفن كانت تجري بما لاتشتهي السفن، فقد كان دخول الإمارات حليفة السعودية في الحرب على اليمن – المعروفة بمناهضتها للإخوان – علي الخط دوراً رئيساً في إتساع الهوه بين السعوديون والإخوان تدريجيا، وكان على الطرف الآخر لقاءات وترتيبات بين بن سلمان والإماراتيين تصب في أهمية محاربة الإخوان وأن اي رهان سعودي على الأخوان لحسم المعركة ضد حركة أنصار الله وحزب المؤتمر في اليمن لن تنجح وانها أشبه بالسراب، كل ذلك شكل حنقا كبيرا عند بن سلمان وبالطبع عند والده ملك البلاد.

ظل الأمر هكذا طيلة سنتين من العدوان على اليمن، لكن مع وصول ترامب الي السلطة في امريكا ووجود مستشارين له على قناعة بأهمية وضع جماعة “الإخوان المسلمون” في قوائم الإرهاب الإمريكية، فضلا عن علاقات ترامب القديمة والتجارية الهامة مع الإماراتيين التي فتحت قنوات حوار واتصال سرية معه نجح الإمارتيون وبالتنسيق العالي مع حلفاء آخرين يشاركونهم الخوف من الإخوان في ترتيب مثل هذا الطلاق الرسمي في السعودية مع هذه الجماعة، وهنا نرصد أن الإماراتيين سجلوا إنتصارين مهمين في معركتهم مع “الإخوان المسلمون” أولاهما عندما أقنعوا الملك الراحل عبدالله للإطاحة بحكم الإخوان في مصر، والثانية عندما أقنعوا بن سلمان بالتخلي عن خيار الإعتماد على الإخوان وحزبهم (الإصلاح ) في اليمن وفي ذات الوقت ترتيب تصعيده لولاية العهد مع الإمريكان وهذا ماحصل في زيارة ترامب وصفقات التسلح المهولة التي رافقتها، بالطبع لقد وقع بن نايف في الفخ عندما كان يظن أن هذه الحرب التي لم يباشرها سوف تزيح وتسقط عرابها بن سلمان فإذا بها تنقلب عليه وبالا ويسقط مرغما، لكن مالذي يجعل بن نايف مرغماً ويتخلي بسهوله عن منصب يفصله خطوة واحدة عن العرش، وكيف مررت الأسرة الحاكمة مثل هذا القرار!؟

بخلاف الضغط الأمريكي فإن العائلة الحاكمة أصبحت أمام خيار وحيد في حرب اليمن حيث أصبحت المعادلة (صفرية) وأضحت المعركة هناك مصيرية ووجودية.

لم يكن خافياً أن محمد بن سلمان برر فشلة في الحرب أمام العائلة بإن جماعة “الإخوان المسلمون” والدول الحليفه لها هم من أفشل عاصفة الحزم وأن بن نايف لم يبذل جهداً في ذلك، وهذا يفسر إنفجار الغضب السعودي والإماراتي على قطر تزامناً مع قطع العلاقات وحصار قطر، وتوتر العلاقات مع تركيا كذلك.

في ظل هذا المشهد تم تمرير الإطاحة بإبن نايف، بلاشك هناك عوامل أخرى مركبة ساهمت في ذلك لكن حرب اليمن كانت هي كلمة السر في سقوطه وتصعيد مجرم حرب كمحمد بن سلمان وزير الدفاع الثلاثيني الذي خطط حربه على اليمن بعد أيام من تنصيبه وزيراً للدفاع والذي أصبح هو أيضاً على بُعد خطوة واحدة من العرش ليكون الوحيد المسؤل عن جرائم حربه في اليمن مما قد يمهد لمحاكمته أو الإطاحة به.

*الدكتور حسن العمري: مستشار قانوني ومحام سعودي، وحاصل على دكتوارة في الدراسات الإسلامية، وعضو في اتحاد المحامين الدوليين ومنظمات غير حكومية.