شبكة "ايرين" الدولية: التحالف يمنع الصحفيين الأجانب ومحققي المنظمات من دخول اليمن لتغطية جرائم السعودية

طغت الحرب في اليمن منذ فترة طويلة على سوريا والعراق، من أجل التنافس على اهتمام وسائل الإعلام. غير أن ذلك واجه نقص المعلومات الموثوقة لكل من المؤسسات الإخبارية التي تحاول تغطية الأزمات الإنسانية ووكالات المعونة التي تحاول الوصول إلى الأشخاص الأكثر احتياجا ومساعدتهم.

 

والآن، وفي وقت يهدد وباء الكوليرا بالخروج عن نطاق السيطرة، علمت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الحكومة الاسمية اليمنية "حكومة هادي" وداعميها الذين تقودهم السعودية تحركوا لمنع الصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان من السفر في رحلات الأمم المتحدة المستأجرة إلى العاصمة صنعاء، مما زاد من تقليص التغطية والوصول في اللحظات الحاسمة.

 

وأعلن رئيس المفوضية الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين الخميس أمام مجلس الأمن الدولي أن أكثر من 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي و 6.8 مليون على "خطوة من المجاعة" في اليمن. أما الوصول إلى البضائع التجارية والإنسانية فهو محدود ويعوقه التحالف الذي تقوده السعودية.
 

 فبعد أكثر من عامين من الحرب، لم يستطع النظام الطبي المستنفد في اليمن من التنبؤ بأي تفشٍ لوباء الكوليرا. ويهدد المرض بوقوع سوء التغذية الذي يضعف المرضى، ومهدد بقتل أكثر من 470 أي اكثر من التي أبلغت عنها منظمة الصحة العالمية.

وقال اوبراين إن "الشعب اليمني يتعرض للحرمان والمرض والموت بينما العالم يراقب".

 

ويحظر التحالف الذي تقوده السعودية الذي يتدخل في رحلات الأمم المتحدة إلى صنعاء، الصحفيين الأجانب من الوصول إلى العديد من المناطق الأكثر تضررا من سوء التغذية والغارات الجوية.

 

وأكد مسؤولون في الأمم المتحدة ودبلوماسيون حملة الإعاقة هذه التي ينفذها التحالف بقيادة السعودية لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، وقال صحفيون وباحثون في مجال حقوق الإنسان إن محاولات استمرت عدة أشهر للوصول إلى صنعاء تعرقلت، في بعض الحالات في اللحظة الأخيرة.

 

وقال أحد المراسلين في أوروبا: "قبل أسبوعين كنت أحاول أن أذهب في رحلة جوية تابعة للأمم المتحدة للنقل الجوي الدولي لتغطية الكوليرا، واتصلت بالأمم المتحدة، التي تنظم فعلا لمن يريد الحصول على الرحلات الجوية.. لكن قيل لي إنهم تلقوا أوامر شاملة من التحالف بعدم السماح لأي صحفي أو باحث أو أي شخص غير إنساني".

 

وتهدف مواثيق الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية أساسا إلى تيسير حركة العاملين في مجال المعونة. لكن الرحلات التجارية الى صنعاء يسيطر عليها التحالف بقيادة السعودية.

 

ولا يستطيع اليمنيون المصابون أو المرضى في صنعاء وحولها مغادرة البلاد للعلاج دون المخاطرة برحلة شاقة وغير مؤكدة جنوبا. وبالنسبة للصحفيين والمحققين، فإن الحظر التجاري يعني أن الأمم المتحدة هي طريقها الوحيد على نحو فعال في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في اليمن.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها عرقلة رحلات الامم المتحدة. وفُرضت قيود على رحلات طيران الامم المتحدة للنقل الجوي الانساني إلى صنعاء بعد وقت قصير من بدء التدخل الذي تقوده السعودية في مارس 2015 واستمر حتى أغسطس 2016. واضطر العديد من الصحفيين إلى التخلي عن تغطية الحرب والبعض منهم خاطر في كثير من الاحيان عن طريق سلوك طرق بديلة خطيرة.

 

ولكن من أغسطس إلى ديسمبر من العام الماضي، سافر 22 صحفيا من صنعاء وإليها في رحلات جوية تابعة للأمم المتحدة، وفقا لما ذكره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إن التغطية المتزايدة كانت واضحة - وأحدثت فرقا. وفجأة، كانت تغطية محن اليمن في الأخبار أكثر قليلا.

 

وخلال هذه الفترة تمكن طاقم "بي بي سي" من الهبوط في صنعاء والتحقيق في واحدة من أكثر الحوادث فتكا في الحرب: غارة جوية سعودية على قاعة عزاء قتل فيها 140 شخصا وجرح أكثر من 500 شخص. لكن الآن مثل هذه الرحلة لصحفي أجنبي أصبحت محظورة من قبل التحالف.

 

وقالت ايونا كريغ، الصحافية البريطانية التي سافرت الى اليمن لسنوات وتغطي تقارير من هناك، "إن التحالف بقيادة السعودية منع وسائل الاعلام الدولية من الدخول للتغطية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي / صالح ومنع حتى من تغطية الجوع والكوليرا والضحايا المدنيين في الغارات الجوية".

 

مؤامرة؟

 

وقدم طاقم تلفزيون فرنسي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) موجزا مفصلا لمحاولاتها للدخول إلى البلد، ابتداء من نوفمبر الماضي. وفي ديسمبر، فرضت الحكومة الأسمية اليمنية المدعومة سعودياً شروطا جديدة على التأشيرات على الصحفيين. وقد ثبت أن الحصول على تأشيرات يصعب الحصول عليها - وهي مهمة أكثر تعقيدا. وبمجرد الحصول على إذن في النهاية، خطط الفريق لاستكشاف قصص عن سوء التغذية، والنظام الطبي الأخرق، وتفشي الكوليرا.

 

ولكن بحلول منتصف مايو، مُنع الصحفيون مرة أخرى، بصرف النظر عن حالة تأشيراتهم. وبعد ذلك بفترة وجيزة (وقت نشر تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي كتبته الخبيرة أبريل لونغلي من العاصمة، التي سافرت إلى صنعاء في أبريل مع الأمم المتحدة)، تلقى باحثون في منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إخطارا من الأمم المتحدة بأنه لم يعد يسمح لهم السفر إلى صنعاء مع خدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي.

 

وقال أحمد بن لسود، المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر البريد الإلكتروني "لقد أُبلغنا مؤخرا من قبل [حكومة اليمن] المدعومة سعودياً أنه لا يسمح إلا لموظفي الأمم المتحدة وموظفي الإغاثة بالدخول إلى اليمن باستخدام رحلات الأمم المتحدة للنقل الجوي". وأضاف "إننا نواصل الدعوة إلى السماح للصحفيين والمنظمات الحقوقية غير الحكومية بالوصول إلى جميع أنحاء اليمن ولكن في الوقت نفسه ليس أمامنا خيار سوى الالتزام بهذا القرار الذي هو خارج سيطرتنا".

 

وجاء هذا الإخطار إلى المنظمات غير الحكومية قبل أيام قليلة من وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض حيث وقع على صفقة أسلحة تبلغ قيمتها نحو 110 مليارات دولار. وشملت الحزمة مبلغ 350 مليون دولار من مجموعات الذخائر الموجهة التي يستخدمها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وقبل أن يغادر الرئيس أوباما منصبه بفترة وجيزة، أوقف بيع تلك الحزمة، بسبب تزايد عدد المدنيين الذين قتلتهم القوات التي تقودها السعودية.

 

وقال أحد مسؤولي الأمم المتحدة في اليمن الذي تحدث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) حول حظر الطيران بشرط عدم ذكر اسمه: "أعتقد أن [السعوديين] يحاولون الحد من تغطية ما يجري في شمال اليمن، وهم يحاولون إسكات الاحتجاجات والانتقادات". وأضاف أن "الصحافيين الذين يدخلون، يعني سيكون هناك المزيد من التدقيق في آثار وعواقب الحرب، وإعطاء صوت للشعب اليمني".

 

توقيت فظيع

 

ويعد تفشي الكوليرا آخر أزمة واجهها الصحفيون للتغطية، حتى قبل القيود الأخيرة. ومما يزيد من سوء التغذية وانهيار خدمات الصرف الصحي أن الحالات المبلغ عنها قد تضاعفت لأكثر من 000 53 حالة؛ وقتل ما يقرب من 500 شخص، وتتوقع منظمة الصحة العالمية بحدوث 000 300 حالة أخرى في الأشهر المقبلة. وأكبر عدد من الضحايا هو في صنعاء، حيث يقول الأطباء إن المستشفيات تتلقى حالات متعددة كل دقيقة.

 

وقال أرفيند كومار، منسق الشؤون الإنسانية في منظمة أوكسفام في اليمن: "الكوليرا معقولة نسبيا وسهلة الوقاية، ولكنها لا تحصل على ما يكفي من الاهتمام أو الدعم". وأضاف كومار: "نحن بحاجة إلى مزيد من التغطية الصحفية.. لست متأكدا من أن أي صحافي غربي قد زار المناطق الأكثر تضررا".

 

وقال صلاح الدراغمة، المدير القطري لمنظمة "مرسي كوربس" في اليمن: "قد يكون من الصعب على جماعات الإغاثة التنبؤ بمسار انتشار المرض نظرا لنظام الرعاية الصحية والصرف الصحي الهش في اليمن. وأضاف "لا نستطيع أن نتنبأ بصراحة على الوضع في الأسابيع المقبلة".

 

ويأتي تعتيم وسائل الإعلام وسط شائعات عن هجوم وشيك على الحديدة، أكبر ميناء في اليمن. ويناقش كبار الضباط العسكريين الأمريكيين ما إذا سيدعمون مثل هذه العملية، وتصعيد المساعدة إلى ما بعد التزود بالوقود والدعم اللوجستي.

 

أما ميناء الحديدة، الذي قصفه التحالف سابقا مرار، فيعالج ما يقرب من 80 في المائة من الغذاء الذي يصل إلى صنعاء - وهو ما لا يستطيع السكان شراءه.

 

ومنذ اندلاع الحرب، كانت اليمن واحدة من أكثر البلدان فتكا لأفراد الصحافة. ووفقا للجنة حماية الصحفيين، فقد قتل 11 صحفيا خلال عامي 2015 و 2016. وفي يناير 2016، قتل مراسل يمني، واسمه المقداد مجلي في غارة جوية للتحالف أثناء تكليفه من قبل شبكة "صوت أمريكا" في جنوب صنعاء. وكان مجلي قد عمل على نطاق واسع لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) منذ فبراير 2015، وكتب بحماس كيف أثرت الحرب على وطنه.

 

 

*المصدر: شبكة الأنباء الإنسانية الدولية "ايرين"، الرائدة في تقديم الأخبار والمعلومات حول حالات الطوارئ الإنسانية‏