منظمة "اللاعنف": كيف يمكن لليمن الملاحق بهجمات وحشية أن يستقبل آلاف النازحين اليائسين؟!

نشرت منظمة منظمة "أصوات اللاعنف" الأمريكية، مقالا لمديرتها كاثي كيلي، استغربت فيه من اليمن وهو أفقر بلد في العالم العربي ويشن عليه هجوم سعودي أمريكي، استقبل في العام 2016، 117 ألف لاجئ جدد، بينما استقبلت الولايات المتحدة 84995 لاجئاً في العام نفسه.
 
وتساءلت: كيف يمكن لليمن المرمي في أحضان الفقر والملاحق بهجمات جوية وبرية وحشية لا تتوقف أن يستقبل آلاف النازحين اليائسين؟
 
نص المقال:
 
هذا الأسبوع وفي مكتب جمعية "أصوات اللاعنف الخلاق" في شيكاغو، يتوجب على زميلتي، سابيا رغبي، أن تقوم بتحضير مداخلتها في إحدى المدارس الثانوية المحلية. عليها أن تذهب مع صديق هو لاجئ عراقي إلى تلك المدرسة للحديث عن أزمة اللاجئين بفعل الحرب.
 
وقد رجعت سابيا مؤخراً من أفغانستان حيث شاركت في جمع الأخبار حول جهود الشبان الأفغان المتطوعين للعمل من أجل السلام والذين يعملون على تزويد الأسر التي هربت من الحرب الأفغانية، والتي تعيش اليوم في مخيمات البؤس، على تزويدها بالدفء والغذاء والتعليم.
 
وكانت سابيا قد هيأت وثيقة لعرضها في محاضرتها في المدرسة الثانوية. وهذه الوثيقة تظهر أين يتم استقبال اللاجئين بشكل أفضل في العالم. وبالمناسبة تعجبت أمام أحد التفاصيل الصغيرة:
في العام 2016، استقبلت الولايات المتحدة 84995 لاجئاً. بينما اليمن، وهو أفقر بلد في العالم العربي، استقبل في العام نفسه، 117 ألف لاجئ جدد، إضافة إلى كونه يستقبل بشكل دائم 255 ألف لاجئ صومالي. ودخل اليمن في حالة معاناة من أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وفوق ذلك كله، يتعرض اليمن بشكل منتظم لهجمات جوية سعودية وأمريكية.
 
ولدى قيامنا، في الوقت نفسه، بتنظيم أسبوع للصيام والعمل، على صلة بالمأساة التي تضرب اليمن، دهشنا كثيراً عندما علمنا أن اليمن هي أيضاً البلد الذي يقصده اللاجئون الصوماليون الذين يفرون من القرن الإفريقي ليجدوا أنفسهم عالقين في بلد تدور فيه رحى حرب قاتلة تتسبب أيضاً بمجاعة مرعبة.
المملكة السعودية هي إحدى الدكتاتوريات الأشد قسوة في المنطقة. كما أنها حليف ثابت للولايات المتحدة. وبدعم من تسعة بلدان حليفة، ثارت ثائرة السعوديين في العام 2015، وبدأوا بشن غارات جوية دائمة على اليمن، كما فرضوا عليها حصاراً أفضى لوقف وصول الإمدادات الغذائية عبر أحد الموانئ الهامة. وقد أمكن كل ذلك بفضل وصول مكثف للأسلحة من الولايات المتحدة، التي تقوم هي أيضاً بشن غارات جوية مستقلة تقتل العشرات من المدنيين وبينهم أعداد من النساء والأطفال.
 
كيف يمكن لهذا البلد الصغير المرمي في أحضان الفقر والملاحق بهجمات جوية وبرية وحشية لا تتوقف، والذي بات قريباً من الانهيار الاقتصادي ومن المجاعة، أن يستقبل آلاف النازحين اليائسين؟!
اليمن يستورد 90 بالمئة من احتياجاته الغذائية. وبفعل الحصار، فإن أسعار المواد الغذائية والمحروقات تتصاعد وتصل ندرة هذه المواد والسلع إلى مستوى الأزمة.
 
وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن أكثر من 460 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الخطير، وأن 3.3 مليون طفل وامرأة حامل أو مرضع يعانون سوء التغذية الحاد. وقد قتل أكثر من عشرة آلاف شخص منهم 1564 طفلاً. وهناك أيضاً ملايين الأشخاص الذين تم تهجيرهم من منازلهم. والأسوأ من كل ذلك، تلوح في الأفق القريب أشباح مجاعة يمكنها أن تجرف كل شيء في طريقها. ومؤخراً، نشر موقع (IRIN) المهتم بالتحليلات الإنسانية عن إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط مقالة للصحفية البريطانية التي تعمل من اليمن ايونا كريغ جاء فيها:
 
"مجموعة مكونة من 120 عائلة ينضم إليها قادمون جدد تقبع تحت الأشجار المتيبسة في هذه البقعة الواسعة من الأرض المغطاة بالأعشاب الرمادية في الجنوب الغربي من مدينة تعز. أفراد هذه الأسر ساروا مشياً على الأقدام لمدة يومين هرباً من الصراع المحتدم على الشاطئ اليمني للبحر الأحمر.
وعند وصولهم، لم يجد عشرات النساء والأطفال شيئاً في المكان. لم يحصلوا على أية مساعدة من منظمات المساعدة الإنسانية. لا أغذية، ولا ماء ولا ملجأ. المتقدمون في السن قالوا إنهم كانوا يقتاتون الأعشاب وأوراق الأشجار كي لا يموتوا جوعا، أما الصغار فقد توجهوا إلى المزارعين المحليين طلباً لشيء من الماء. إحدى الأمهات تهز بين ذراعيها طفلاً من الواضح أنه يعاني سوء التغذية.
 
والآن، نسمع كلاماً عن مقتل 42 صومالياً في 16 مارس بفعل الضربات الجوية المتواصلة، وذلك أثناء محاولتهم الصعود في أحد القوارب بهدف الفرار من اليمن.
 
يقول إبراهيم علي زياد، وهو صومالي نجا من القصف: "تمددت في قعر القارب، ورأيت كيف كان الناس يسقطون عن يميني وشمالي. كان الجميع يصرخ ويقول: "نحن صوماليون! نحن صوماليون!". لكن القصف تواصل برأيي لمدة نصف ساعة على الأقل".
 
تقول مصادر الأمم المتحدة إن الضربات التي تتعرض لها اليمن تمنع كلاً من اليمنيين واللاجئين الصوماليين من تلافي الوقوع في أحضان واحدة من المآسي الأربع التي تتفاقم حالياً لتفضي إلى أسوأ أزمة إنسانية عرفها تاريخ الأمم المتحدة. ومنذ نشر هذه المقالة، لم يعلن أحد عن تبنيه عملية القصف تلك. لكن الناجين يقولون بأن القصف تم من قبل طائرة مروحية حربية. 140 شخصاً كانوا على ظهر القارب، وكانوا يتوجهون نحو الشمال بمحاذاة الشواطئ اليمنية.
 
وفي هذه الأثناء، إن صانعي الأسلحة الأمريكيين ومنهم شركات جنرال ديناميكس، ورايتيون، ولوكهيد مارتن، يحققون أرباحاً ضخمة من مبيعات السلاح إلى المملكة السعودية. ففي ديسمبر 2016، كتبت ميديا بنجامين مديرة منظمة "كودبينيك" للسلام: "رغم الطبيعة القمعية للنظام السعودي، فإن الحكومات الأمريكية لا تكتفي بدعم السعوديين في المجال الدبلوماسي، بل تزيد على ذلك دعمها لهم على الصعيد العسكري. وقد وصلت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية في ظل إدارة أوباما إلى 115 مليار دورلار".
 
الوضع حرج، وعلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تطالب بوقف الحصار والضربات الجوية وضجيج السلاح والتوصل إلى حل تفاوضي للحرب في اليمن.
 
على البلدين الأكثر إجراماً، أي الولايات المتحدة والسعودية أن يتوقفا عما يقومان به من مناورات وقحة ضد خصوم كإيران في وقت يدفع فيه ثمن كبير وغير معقول بالأرواح البشرية في اليمن.
على المواطنين الأمريكيين أن يطالبوا بالتراجع عن السياسة الأمريكية المسؤولة عن المأساة القاتلة التي يعيشها شعب اليمن.
 
على المواطنين الأمريكيين الذين يتمسكون بشدة بطريق المعارضة للسياسات الأميركية في اليمن، أن يطالبوا حكامهم بوقف جميع الهجمات الأمريكية بطائرات بدون طيار وجميع عمليات القوات الخاصة الأمريكية في اليمن. وعليهم أن يطالبوا بوقف مبيعات الأسلحة الأميركية والمساعدات العسكرية الأميركية للمملكة السعودية. كما عليهم أن يطالبوا بدفع تعويضات لكل من لحقت به أضرار جراء العمليات العسكرية الأميركية في اليمن.
 
الناشطون العاملون في مجموعتنا تحركوا طويلاً تحت اسم "صوت في البرية" وقاموا بتنظيم حملات ضد الحرب الاقتصادية على العراق، وهي الحرب التي فرضت فيها عقوبات اقتصادية أدت إلى موت 500 ألف طفل.
 
وبسبب ضياعنا في ثقافة لاواقعية معادية وصمت لا يحتمل بخصوص الحرب الاقتصادية، حاولنا بسذاجة أن نوقظ الضمائر على مصير اللاجئين الذين يسعون إلى مواصلة العيش. لم ننجح في الدفع نحو إلغاء العقوبات الاقتصادية على العراق، وكان علينا أن نواجه الواقع الصعب المتمثل بقلة إحساس أصحاب القرار الأمريكيين.
 
علينا أن ننظر إلى الواقع وجهاً لوجه وأن نؤكد تضامننا مع القسم الأكبر من شعوب هذا العالم. وفي هذا الزمن الذي يهرب فيه إخواننا البشر اليائسون في كل مكان من العالم، داخل حدود بلدانهم وخارج هذه الحدود، علينا أن نهتم خصوصاً بالاستعلام المتواصل عن نتائج الأعمال التي ترتكبها أمتنا الأمريكية بحق فقراء العالم. علينا أن نكون كثيرين بما يكفي كي ترتفع أصواتنا وتكون مسموعة في الدفاع عن الشعب اليمني.