رأي - ما وراء ارتباك وتخبُّط التحالف العربي في اليمن!!

صاحب العدوان السعودي الإماراتي على اليمن أحداث غامضة، وسلسلة من الأخطاء المرتكبة بصورة أثرت، بقوة، في قدرة ما يسمى التحالف في إدارة المعركة بالصورة التي تتناسب مع الإمكانات الهائلة والأسلحة الحديثة والتقنية المتطورة التي سخرت لقواته من أجل تحقيق انتصار سريع في المعركة وبصورة مغايرة تماماً لما يحدث على الأرض.. ورغم مرور أكثر من عام ونصف، إلا أن مسلسل الأخطاء مستمر والتخبُّط في إدارة الحرب بات أكثر وضوحاً لدرجة أثارت الشكوك بأن هناك من يعمل من داخل التحالف على تشتيت جهود قواته وإرباكها والحيلولة دون تمكنها من حسم المعركة عسكرياً.

ظهر التحالف في إدارته للمعركة العسكرية كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فلا يمر يومان على إعلانه إطلاق معركة كبرى في محور من محاور القتال، إلا وينتقل فجأة إلى محور آخر يصاحبه جمود غريب في المحور الأول، كما حصل، مؤخراً، عند إطلاقه معركة الحسم في صنعاء وشعارها الرنان "التحرير موعدنا"، لكنه سرعان ما انتقل إلى تعز للإعلان عن بدء معركة فك الحصار عنها على ثلاث مراحل، لكنه تركها في مرحلتها الأولى، وانتقل لتصعيد عملياته العسكرية في جبهة ميدي وحرض ليومين، انتقل بعدها إلى مأرب ليعلن عن معركة تحرير صرواح، التي لم يستقر فيها طويلاً، وذهب إلى محافظة البيضاء ليعلن عن بدء تحريرها وهكذا.

صحيح أن قوة صمود الطرف الآخر وإفشاله لكل محاولات التقدم لقوات التحالف، خاصة في محوري نهم وصرواح، قد تكون سبباً في انتقال التحالف من محور لآخر في محاولة لإحداث أي اختراق واضح على الأرض، وربما لاستنزاف الطرف الآخر، لكن من الواضح أن هذا التكتيك أثبت فشله؛ كونه لم يسفر عن أي شيء يذكر سوى تخبط ودوران في حلقة مفرغة، وتراجع في معنويات أتباعه، واستنزاف مقابل أكثر كلفة من استنزاف خصمه.

كما لم يقتصر الأمر على عجز قيادة التحالف في تغيير خططها العسكرية، فقد واصلت مقاتلاته شن غارات خاطئة أو ما تسمى بالنيران الصديقة على مواقع القوات الموالية لهادي في المحاور المختلفة من حين إلى آخر، إضافة إلى تصاعد واضح في ارتكاب المجازر الدموية بحق المدنيين وتكرار قصف مناطق محرمة دولياً كالمستشفيات والأسواق والمناطق كثيفة السكان كان آخرها مجزرتان مروعتان في الحديدة وصعدة، وكأن هناك من يريد، بكل تلك الأخطاء تأكيد إدانة التحالف والسعودية تحديداً في ارتكاب جرائم إبادة بحق اليمنيين.

الأمر المثير للانتباه، في جديد الأخطاء المرتكبة، هو تعمد مقاتلات التحالف ارتكاب مجازر دموية بحق المدنيين في مناطق ذات أهمية بالغة في تحديد مصير المعارك في محيط صنعاء، كما حصل الأسبوع المنصرم عندما كان إعلام السعودية يتحدث عن قرب استكمال السيطرة على مديرية صرواح بمأرب وفتح جبهة جديدة باتجاه العاصمة عبر خولان، ومروجاً في ذات الوقت لأخبار بوقوف قبائل خولان على الحياد وأن الطريق إلى صنعاء سالك.. لكن، وبصورة مباغتة، شنت مقاتلات التحالف غارة استهدفت سيارة مدنية تقل نساءً وأطفالاً في نقيل الوتدة بخولان، أدت الى استشهادهم جميعاً، أعقبتها في اليوم التالي بشن غارتين على مسجد وسوق في ذات المنطقة، ما تسبب في إعلان قبائل خولان النفير العام والنكف القبلي لمواجهة العدوان.

وبصورة مشابهة تعمدت مقاتلات التحالف إلحاق أكبر عدد من القتلى في صفوف المدنيين في أرحب، التي ينتمي إليها منصور الحنق، قائد ما يسمى مقاومة صنعاء، عندما قصفت حفار مياه، ثم عاودت قصف نفس المكان مرتين عند تجمع المواطنين خلال محاولات إسعاف جرحى الغارتين الأولى والثانية، والحصيلة نحو 35 شهيداً وعشرات الجرحى، وبعد أن كان ينظر البعض في التحالف إلى أرحب كبوابة عبور مضمونة إلى العاصمة، سيرت قبائل أرحب عقب الغارات الأخيرة قافلة إمداد كبيرة مكونة من 400 سيارة لقوات الجيش واللجان في محور نهم.

ظهرت الغارات الأخيرة على أرحب وخولان وكأن الهدف منها دفع قبائل المنطقتين لمعاداة السعودية وحلفائها والتصدي لأي محاولات تقدم لقوات هادي عبرهما باتجاه العاصمة، وجعل معركة صنعاء أكثر صعوبة عن ذي قبل، وهو ما يثير التساؤل عن هوية الطرف المنخرط في التحالف، الذي يسعى جاهداً لإفشال الخيار العسكري وإقناع السعودية باستحالة حسم معركة صنعاء عسكرياً.

ـ شخصياً، أكاد أجزم بوقوف المقاتلات الإماراتية وراء غارات خولان وأرحب وغالبية النيران الصديقة التي تطلق على قوات هادي، ويبدو أن مفكر الإخوان الكويتي عبدالله النفسي كان محقاً في اتهاماته المتكررة للإمارات وتحذيراته من دورها المشبوه في صفوف التحالف، خاصة أن العديد من المواقف التي أعلنت عنها الإمارات أو روجت لها في إعلامها كانت تصب في الاتجاه المضاد لجهود التحالف كما حصل، مثلاً، عند إعلان أبوظبي سحب قواتها من مارب وتعز في وقت كانت الترتيبات قد وصلت ذروتها لشن عمليات عسكرية واسعة في تلك المناطق.

-أيضاً، ولعل الجميع ما زال يتذكر وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قراقاش، الذي فاجأ السعودية، قبل غيرها، منتصف يونيو 2016 خلال محاضرة قدمها بحضور محمد بن زايد، بإعلانه أن الحرب في اليمن انتهت، وأن عمليات التحالف حققت أهدافها بجدارة، قبل أن يتراجع في اليوم التالي عن كلامه تحت ضغط سعودي، كما أن كُتّاباً سعوديين أمثال مهنا الحبيل، اعتبر تصريحات ضاحي خلفان الانفصالية ومهاجمة قرقاش لإخوان اليمن في وقت الإعداد لمعركة صنعاء على أنه طعنة إماراتية في الظهر وغير ذلك.. وهنا يطرح تساؤل عن الأسباب التي تدفع الإمارات لإفشال الحل العسكري ومعركة صنعاء تحديداً؟

- أعتقد، جازماً، أن الإمارات تسعى لإيصال السعودية إلى قناعة باستحالة إسقاط صنعاء عسكرياً بهدف دفعها نحو الخيار البديل المتمثل في العمل على تقسيم اليمن إلى أربع دويلات، لكن ماهى مصلحة الإمارات من تقسيم اليمن؟ ولماذا إلى أربعة كيانات وليس كيانين أو ثلاثة؟ وما هى خفايا الدور الإماراتي؟ وهو محور المقال المقبل ـ بإذنه تعالى.

[email protected]

*عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن