السيسي يواجه عقبات على طريق الإصلاحات الاقتصادية في مصر

سارع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إجراء إصلاحات اقتصادية في أول مئة يوم قضاها في السلطة تضمنت خفض الدعم المكلف على الوقود وزيادة الضرائب واطلاق مشروعات بنية تحتية لجلب إيرادات على المدى الطويل وتقليص البطالة.

تلك خطوات طالما تطلع المستثمرون الأجانب إلى اتخاذها لكن الفوز بثقتهم الكاملة سيتطلب المضي قدما في تبني مزيد من الإصلاحات ذات الحساسية السياسية وإبرام اتفاق صعب مع صندوق النقد الدولي.

فالحصول على قرض من الصندوق هو شهادة جدارة ائتمانية تشتد إليها حاجة البلد الذي يعاني من اضطرابات سياسية منذ الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم حسني مبارك في 2011 بعد 30 عاما قضاها في السلطة.

وعلى مدى عقود تحاشى مبارك في معظم الأحيان إجراء إصلاحات تنطوي على مخاطر سياسية وقد تثير غضب السكان الذين يعتمدون على الغذاء والوقود المدعمين. كما لم يبد خلفه محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين أي علامات تذكر على المضي في هذا الطريق خلال العام المضطرب الذي قضاه في الرئاسة.

ويأمل المستثمرون بأن يملك السيسي قائد الجيش السابق القدرة على اتخاذ الإجراءات التي لم يستطع سلفاه تنفيذها. وكان السيسي قد عزل مرسي واتخذ إجراءات صارمة بحق أنصاره ثم فاز في انتخابات الرئاسة ليخلفه في المنصب.

وقال بريان كارتر مدير محافظ ديون الأسواق الناشئة لدى أكاديان لإدارة الأصول في بوسطن "لا نريد تسييس الأمور ولا نريد التعامل معها بطريقة درامية. بل نريد زعيما يطبق نظاما استثماريا لمصر يركز على المدى الطويل."

وقد يؤدي رفع أسعار الوقود والضرائب إلى تخفيف العبء عن كاهل الدولة التي تعاني من ضائقة مالية وتواجه عجزا كبيرا في الموازنة يبلغ نحو 11 بالمئة من الناتج الاقتصادي إلى جانب معدل بطالة في خانة العشرات.

غير أن أهم تحد يواجه السيسي هو إعادة جذب المستثمرين الأجانب الذين ما زالوا يتوخون الحذر من القوة المصطنعة للجنيه المصري وارتفاع التضخم والإجراءات الروتينية الخانقة وانقطاعات الكهرباء في البلاد.

ويقول كارتر "حل المشكلات الاقتصادية لمصر على المدى الطويل لن يتأتي من أي نوع من أنواع التقشف الداخلي أو إعادة هيكلة الموازنة. بل يأتي من تحفيز الاستثمارات."

وتجري مصر مشاورات مع صندوق النقد الدولي بخصوص تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تتوقع الحكومة أن تدر لها إيرادات تزيد على أربعة مليارات دولار.

ويتوق المستثمرون إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة دون أن يثير ذلك أي معارضة أو اضطرابات وإن كان المسؤولون لم يحددوا إطارا زمنيا لتطبيقها.

واستأنفت مصر مشاورات دورية مع صندوق النقد الشهر الماضي للمرة الأولى منذ مارس آذار 2010 وهي خطوة ضرورية قبل الحصول على حزمة قروض. وكانت القاهرة قد أرجأت المحادثات مع الصندوق عقب الإطاحة بمبارك في 2011.

* مشروع قناة السويس الجديدة

تعلق مصر آمالها على مؤتمر عالمي للاستثمارات والمساعدات يعقد في فبراير شباط بمنتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر. فالقاهرة تأمل في الخروج من هذا المؤتمر بتعهدات سخية من الحكومات الأجنبية ومستثمري القطاع الخاص والمنظمات الدولية المانحة.

وقال وزير الاستثمار أشرف سالمان لرويترز في مقابلة أجريت الشهر الماضي إنه يستهدف جذب استثمارات أجنبية بقيمة عشرة مليارات دولار في السنة المالية الحالية ويأمل أن تجتذب مصر 18 مليار دولار سنويا بحلول عام 2018 وهي أهداف طموحة للغاية.

وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو ثمانية مليارات دولار سنويا قبل انتفاضة 2011 ووصل إلى 4.1 مليار دولار فقط في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران.

ويتجسد أهم مشروعات السيسي في توسعة قناة السويس ذلك الممر الملاحي الاستراتيجي العالمي الذي يجلب لمصر إيرادات واحتياطات أجنبية قيمتها خمسة مليارات دولار سنويا.

ويأمل السيسي في زيادة هذه الإيرادات إلى أكثر من مثليها من خلال المشروع الجديد وتبنى هدفا طموحا يتمثل في استكمال المرحلة الأولى من المشروع خلال عام.

ويبدو أن الرئيس المصري يعول أيضا على رمزية القناة وأهميتها الجيوسياسية لزيادة شعبيته.

وتهافت المصريون على البنوك الشهر الماضي لشراء ما تعادل قيمته 8.5 مليار دولار من شهادات استثمار قناة السويس الجديدة التي اعتبرتها الحكومة تصويتا شعبيا بالثقة في الاقتصاد.

ولم تصل حماسة المصريين إلى بعض المستثمرين الأجانب الذين يتوقون إلى التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي.

وقال ريمي مارسيل المسؤول المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة أموندي لإدارة الأصول "ليس لدينا تفاصيل كثيرة. ما زالت هناك بعض علامات الاستفهام نظرا لأنه مشروع كبير."

وأضاف "من السابق لأوانه أن نعرف حقا ما هي التداعيات التي ستترتب على هذا المشروع. فعلى الورق يبدو (المشروع) إيجابيا للغاية إذ سيساهم في خلق بعض الوظائف وزيادة الإيرادات."

*لا إصلاحات سريعة

يبدو أن المجال يتسع أمام السيسي للمزيد من المناورات. فحتى الآن لم يتسبب خفض الدعم على الوقود في حدوث الاضطرابات التي ثارت مخاوف من اندلاعها رغم أنه أدى إلى ارتفاع جميع الأسعار.

غير أن هذه المساحة قد لا تدوم إذا ظل الرئيس ملتزما بالانضباط المالي الذي وعد به. فذلك سيتطلب منه اتخاذ المزيد من الخطوات الجريئة مثل المضي قدما في خفض الدعم بصورة أكبر وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.

يقول دانيال بروبي المدير التنفيذي لشركة جيمفوندز للاستثمار التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها "لا توجد إصلاحات سريعة بما فيها رفع الدعم والتي يبدو أن معظم المستثمرين الأجانب يعتقدون خطأ أن من الممكن تنفيذها دون إثارة اضطرابات اجتماعية."

وتشهد العملة المصرية وهي عامل حيوي آخر للمستثمرين الأجانب استقرارا في السوق الرسمية منذ يونيو حزيران لكن تداولها في السوق السوداء والقيود المفروضة على سحب الدولارات تدفع المستثمرين إلى الإبقاء على حذرهم.

وأدت توقعات بخفض كبير في قيمة العملة عقب الانتخابات البرلمانية المنتظر إجراؤها في نهاية العام إلى تأخر عودة بعض المستثمرين للسوق وكذلك إلى اكتناز الدولارات وهو ما أبقى على نشاط السوق السوداء.

وزاد المؤشر المصري الرئيسي 18.6 بالمئة منذ انتخاب السيسي ويتجاوز الآن مستواه قبل انتفاضة 2011. صحيح أن ذلك يعكس تصويتا بالثقة من المستثمرين المحليين لكن البيانات الرسمية لا تظهر زيادة كبيرة في عدد المستثمرين الأجانب الذين عادوا إلى البورصة.

وقال أحد المتعاملين في أدوات الدخل الثابت بالقاهرة إن المستثمرين لم يعودوا بعد إلى سوق السندات الحكومية أيضا.

وأضاف "لم نسمع عن أجانب اشتروا سندات حكومية في الشهرين الأخيرين أو نحو ذلك."

*رؤى واقعية

يبدو أن الوزراء الذين عينهم السيسي في الحقائب الاقتصادية يتبنون رؤى أكثر واقعية مما كان يتبناها المسؤولون في عهد مبارك والذين كانوا يرسمون صورا وردية في الغالب.

وقال وزير المالية المصري هاني قدري دميان لرويترز الشهر الماضي إن الحكومة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي إلى ما بين خمسة وستة بالمئة في غضون ثلاث سنوات وخفض العجز في الميزانية إلى النصف في غضون سبع سنوات بينما أقر بالتحديات التي تواجه بلاده.

وقال كارتر من أكاديان "لم يكن هناك شيء فذ. لكن ما يهم هو الزحف المتواصل نحو التقدم وإنجاز هذا الإطار (الإصلاحي) وهذا بالضبط ما نود رؤيته."

ويتعرض السيسي لانتقادات شديدة من جماعات حقوق الإنسان منذ العام الماضي حين كان قائدا للجيش وعزل مرسي عقب احتجاجات حاشدة ثم اتخذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين.

وقتل المئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في اشتباكات مع قوات الأمن في الشوارع واعتقل الآلاف من الإسلاميين. وأودع نشطاء يساريون وليبراليون السجن لانتهاكهم قانونا يفرض قيودا مشددة على التظاهر.

غير أن معظم المصريين يتوقون إلى الاستقرار وهو ما حققه السيسي الذي كبح الاضطرابات السياسية وتعهد بهزيمة جماعة أنصار بيت المقدس المتشددة التي تنشط في سيناء وقتلت المئات من أفراد قوات الأمن المصرية.