عميل استخباراتي "مزدوج" يحكي قصته ومغامراته داخل تنظيم "قاعدة اليمن"

نشر، مؤخراً، في أمريكا وأوروبا كتاب بعنوان: "العميل ستورم، حياتي داخل القاعدة والمخابرات الأمريكية"، يبدو الكتاب كأنه سيناريو لسلسلة أفلام الجاسوسية "جيمس بوند" غير أن كاتبه حقيقي، وهو "مورتن ستورم"، إسلامي متشدد سابق دانماركي حكى فيه لصحفيين حياته ومغامراته داخل التنظيم الإرهابي "القاعدة"، وتحوله إلى عميل مزدوج للاستخبارات الدانماركية والبريطانية والأمريكية.
وقد نشرت "سي إن إن" تقريراً مصوراً عن حياة ستورم.. وفيما يلي تنشر وكالة "خبر" للأنباء ترجمة خاصة للتقرير كما نشرته "سي إن إن":

عالمان وهويتان وخطر الموت الحقيقي والحاضر دائماً. هكذا كانت حياة مورتن ستورم الإسلامي المتشدد الذي تحول عميلاً مزدوجاً ويكشف الآن عن بعض أبرز الأسرار في العالم.

حياته جديرة بأن تحكى في روايات التجسس ويتحدث عنها في كتابه "العميل ستورم: حياتي داخل القاعدة والسي آي إيه" الذي شارك في كتابته بول كرويكشانك، المحلل المختص بشؤون الإرهاب في قناة "سي إن إن"، وتيم ليستر، وكلاهما مساهمان في "سي إن إن"."

كما أنه تحدث في مقابلة مع نيك روبرتسون، كبير المراسلين الدوليين في قناة "سي إن إن" وقال ستورم: "كانت لدي أسماء مختلفة، وشخصيات مختلفة. كنت مورتن ستورم، ومراد ستورم، وأبو أسامة، وأبو مجاهد".

كان موضع ثقة كبيرة من قياديي "القاعدة" إلى درجة أنه تدبر لأحدهم زوجة أوروبية فيما كان يعمل، كما يزعم، لحساب وكالات الاستخبارات الغربية.

يروي في كتابه: "طوال نصف عقد، كنت أتنقل بين عالمين وهويتين - حيث كان من شأن جملة واحدة في غير محلها أن تكلفني حياتي - كنت أتنقل بين الإلحاد والإسلام المتشدد، بين الإنجليزية والعربية". ويضيف ستورم: "كنت كمن يعاني من انفصام الشخصية".

مسيرة ستورم اللافتة بدأت بطريقة عادية إلى حد ما في الدانمارك في بلدة تدعى "كورسور"، حيث كان الفتى الصغير يجد أماكن كثيرة ليلعب فيها. يتذكر ستورم بحنين الأوقات التي كان يمضيها في الغابة وعلى الشاطئ.. ويتذكر، أيضاً، معاناته مع غياب الوالد.

بدأ ستورم يتورط في المتاعب باكراً. فقد ارتكب، في سن المراهقة، عملية سطو مسلح وخاض عراكاً مرات عدة.

يقول ستورم: "كانت الملاكمة طريقة للتنفيس عن ميولي العدوانية"، ولم يكن العراك يقتصر على الحلبة بالنسبة إليه. دخل السجن بحلول عيد مولده الثامن عشر وبعد خروجه انضم إلى عصابة "بانديدوس" لراكبي الدراجات النارية وكانت حياته تسير في اتجاه سيء.

تغير مسار ستورم بعدما وقع على كتاب عن حياة النبي محمد في القسم الصغير المخصص للدين في مكتبة "كورسور".

يروي ستورم: "ذلك الكتاب غيرني، وخاطب كياني. هذه هي الحقيقة. لقد وجدت الحقيقة" غير اسمه ليصبح مراد ستورم وسافر إلى اليمن حيث تعلم اللغة العربية وتفسيراً متزمتاً للإسلام وسمى ابنه تيمناً بأسامة بن لادن.

توغل ستورم في عالم الجهاد، وسافر مع صديقه الدانماركي الصحافي نجيب خاجا، الذي أراد تصوير فيلم عن المجاهدين في اليمن. ولدى وجوده هناك نشأت صداقة بينه وبين رجل الدين اليمني الأميركي "أنور العولقي" الذي أصبح لاحقاً عضواً أساسياً في "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" وهدفاً رئيساً للولايات المتحدة.

يقول خاجا عن ستورم والعولقي: "كانا يجلسان معاً ويمزحان ويخبران الروايات، وكانا يمزحان حول بعض الأمور التي فاتتهما في البلدان الغربية، وكان ستورم شديد الحماسة فكان أنور العولقي يطلب منه أن يهدئ من تلك الحماسة.

قرر ستورم الانضمام إلى المجاهدين في الصومال، لكنه تلقى، في اللحظة الأخيرة، اتصالاً يطلب منه عدم التوجه إلى هناك، فالوضع على الأرض كان قد أصبح خطيراً جداً.
قال ستورم لقناة "سي إن إن": "شعرت بخيبة كبيرة جداً، وبأنه قضي عليّ وشعرت بأنني تعرضت للخيانة". ووسط هذه الخيبة، بدأت الشكوك تتنامى لديه.

بعد سنوات من الشكوك والتمعن في الاختلافات الفقهية بين الشيعة والسنة وبين المذاهب السنية، صدم ستورم، على حد تعبيره، بمفارقة مفهوم القدر في الاسلام وإن كان الانسان مخيراً أم مسيراً ونتيجة تطبيق ذلك على حياته كرجل نذر نفسه للجهاد.

يقول ستورم: إنه فقد إيمانه بالإسلام ما جعله يتصل بالمخابرات الدانماركية المعروفة باسم "PET"، قصد الرجوع إلى بلده غير أن العملاء اقترحوا عليه العمل من أجلهم، فنسقوا بينه وبين المخابرات البريطانية والأمريكية والتي نفذ من أجلها عدة عمليات لتحديد أمكنة بعض قيادات القاعدة في اليمن الذين تم اغتيالهم بطائرات دون طيار.

يقول هانس خورخن بونيشسن، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات الدنماركية: "لا شك في أنه كان عميلا ذا قيمة كبيرة جدا وأنه كان قادرا على الوصول إلى بعض المصادر التي كانوا يريدون فعلا الوصول إليها".

كان ستورم الشخص المناسب الذي كانت أجهزة الاستخبارات تبحث عنه في ذلك الوقت، عميل مزدوج يملك معارف واسعة في صفوف تنظيم القاعدة وقد رفضت "سي آي إيه" الرد على الطلبات المتكررة التي وجهتها إليها قناة "سي إن إن" للتعليق على موضوع ستورم. وكذلك لم يؤكّد المسؤولون في الدنمارك مزاعمه أو ينفوها.

وقال ماغنوس رانستورب، أحد كبار خبراء مكافحة الإرهاب في الدول الاسكندينافية: لقد حالفه الحظ، فتمكن من التواجد في أماكن كثيرة ولقاء الأشخاص المناسبين"، مضيفاً: "لا أعتقد أن هناك اشخاصا كثيرين مثله يتمتعون بكل تلك الأبعاد المختلفة، لقد كان العميل الأنسب".

كانت صديقة ستورم موضع اختبار من الطرفين عندما طلب منه العولقي أن يجد له شقراء أوروبية كي تصبح زوجته الثالثة. فقاده بحثه إلى الكرواتية "إيرانا هوراك" التي كانت قد اعتنقت الإسلام حديثاً وأطلقت على نفسها اسم "آمنة". وقد استخدمت من دون أن تدري، طعماً لإيقاع قيادي شهواني في القاعدة وقتله. وتبادل العولقي و"آمنة" عن طريق ستورم رسائل مشفرة بالبريد الإلكتروني ومقاطع فيديو واتفقا على عقد قرانهما.

يقول ستورم إنه تقاضى 250000 دولار أميركي بدل أتعابه عندما عبرت "آمنة" إلى اليمن وهي تحمل من دون علمها جهاز تعقب مخبأ داخل حقيبة. تلقى ستورم لاحقاً رسالة بالبريد الإلكتروني من العولقي يقول فيها إنه تزوج "آمنة" وإنها أفضل مما تمنى. لكنه تلقى أيضاً رسالة بالبريد الإلكتروني من "آمنة" أخبرته فيها أن العولقي طلب منها رمي الحقيبة قبل أن يلتقيا وهكذا تكون قد تركت الحقيبة ومعها جهاز التعقب.

يروي ستورم أن مرؤوسيه في الـ"سي آي إيه" غضبوا كثيراً: "رفض الأميركيون التكلم معي طيلة ستة أشهر"، لكنهم عدلوا عن موقفهم لاحقاً. إلا ان "السي آي إيه" التي كانت تبحث عن أي خيوط عن تنظيم القاعدة استمرت في السعي للحصول على المساعدة من ستورم، ووعدت بمنحه خمسة ملايين دولار مقابل إعطائها معلومات تقود إلى القبض على العولقي أو قتله.

جرى في النهاية رصد العولقي وقتله في هجوم بطائرة أميركية من دون طيار عام2011م في اليمن وقد تواصلت زوجته "آمنة" مع ستورم بالبريد الإلكتروني وأخبرته أنها عرضت أن تصبح انتحارية، لكن طلبها رفض. وحاولت قناة "سي إن إن" الاتصال بـ"آمنة" عن طريق عائلتها، لكنهم رفضوا التكلم معهم. وقد علمت الـ"سي إن إن" من مسؤول أوروبي في مجال مكافحة الإرهاب أنه جرى إصدار بيان في ذلك الوقت للتحذير من أن آمنة" قد تكون مصدراً للخطر."

يصر ستورم على أن عمله هو الذي سمح في نهاية المطاف بالعثور على العولقي. لكن في محادثة سجلها ستورم في أحد الفنادق في العام نفسه أصر شخص أميركي على أن الفضل في العثور على القيادي الإرهابي يعود إلى معلومات استخبارية منفصلة لا علاقة لستورم بها. خلاصة القول: لم يحصل ستورم على مبلغ الخمسة ملايين دولار الذي اعتبر أنه يستحقه.

تدهورت علاقته مع مرؤوسيه وتوقف كما يقول عن العمل مع الـ"سي آي أيه" والاستخبارات الدنماركية. وقد حاولت وكالة الاستخبارات الدنماركية أن تشتري صمته بعدما علمت أنه قرر الكشف عن قصته إلى العلن.

يزعم ستورم أن الاستخبارات الدنماركية عرضت أن تدفع له 1.5 مليون دولار مقسطة على خمس سنوات. لكنه رفض الصفقة لأن الاستخبارات الدنماركية نكثت بسلسلة من الوعود التي كانت قد قطعتها له كما يقول، ومنها منح إقامة دائمة لزوجته الأجنبية في الدنمارك.

بعد تأدية كل هذه الأدوار المختلفة على مر كل هذه السنين، لعل ستورم يواجه الآن الدور الأصعب: البقاء على قيد الحياة. يعيش مختبئاً بعد تلقيه تهديدات عدة بالقتل من إسلاميين متشددين كانوا من قبل رفاقاً له. وكان التهديد واضحاً جداً العام الماضي عندما نشر مقاتلو "داعش" في سوريا مقطع فيديو أطلقوا فيه النار على صورة له معلقة على جدار.

ويقول ستورم عن عمله جاسوساً: "إما يذبحون عنقك ويقطعون رأسك، وإما يطلقون النار عليك ويشنقونك ويصلبونك. إذا وجدوني، سيعدمونني".

ويضيف ستورم أنه هو من كشف زكريا الموساوي، ذا الأصول المغربية بعد عمليات 11 سبتمبر وكذلك صالح علي النبهان، وهو من سهل عملية قتل أنور العولقي في اليمن، وهذا الأخير كان زعيم تنظيم القاعدة في اليمن.

ويكشف ستورم نفسية الجهاديين بمختلف جنسياتهم إذ أن أغلبهم ذوو ماض إجرامي وطفولة قاسية وتعليم متدنٍ يسهل على الشيوخ غسل أدمغتهم.

يعيش ستورم حالياً متخفياً خوفاً من قتله من طرف أتباع القاعدة بعد اعترافاته، غير أن المخابرات الأمركية والدنماركية لم تعلق على كتابه بل إن مصدراً من هذه الأخيرة قد أنكر معرفته بستورم لبعض الصحف.

*ترجمة عن "نيويورك تايمز وسي إن إن وواشنطن بوست".